كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة يوسف من الآية( 59) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

59 - (وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ ) يعني لَمّا كالَ لهم الطعام وجهّزهم بهِ (قَالَ) يوسف لأخوتهِ (ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ) يُريد بنيامين (أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ ) يعني أعطيكم الكيل وافياً كثيراً (وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ) أي خير المضيّفين لكم .

القصّة : لَمّا رأى يوسف أخوته عرفهم فتنكّرَ لهم وكلّمهم بجفاء وقال لهم : من أين قدمتم ؟ قالوا : من أرض كنعان لنبتاع طعاماً ، فتذكّر يوسف الرؤيا الّتي رآها من قبل ، فقال لهم : أنتم جواسيس إنّما جئتم لتتجسّسوا ثغور الأرض ، فقالوا إنّما جئنا لنبتاع طعاماً نحنُ كلّنا بنو رجل واحد في أرض كنعان ، والصغير منّا عند أبينا وواحدٌ مفقود ، فقال يوسف بل الأمر كما قلتُ لكم أنتم جواسيس وبهذا تُمتحَنون لا تخرجون من هنا حتّى يأتي أخوكم الصغير إلى هنا . إبعثوا واحداً منكم يأتي بأخيكم وأنتم تُقيّدون حتّى نمتحن كلامكم هل أنتم صادقون وإلاّ فأنتم جواسيس . فجعلهم في الحبس ثلاثة أيّام وفي اليوم الثالث قال لهم يوسف : إصنعوا هذا فتحيَوا إنّي أتّقي الله فواحدٌ منكم يبقى في الحبسِ رهينة وأنتم إنطلقوا وخذوا ميرةً لمجاعةِ بيوتكم وائتُوني بأخيكم الصغير ليتحقّق كلامكم ولا تهلكوا . فصنعوا كما قال لهم .

وقال بعضهم لبعضٍ أنّنا لآثمون في أخينا إذ رأينا نفسهُ في شِدّةٍ وقد استرحمَنا فلم نسمعْ لهُ لذلك نالتنا هذه الشِدّة ، فأجابهم راؤوبين قائلاً ألم أقل لكم لا تأثموا في الولدِ وأنتم لم تسمعوا لذلك نحنُ مُطالَبون بدمهِ . ولم يكونوا يعلمون أنّ يوسف يفهم كلامهم لأنّهُ جعل ترجماناً بينهُ وبينهم ، فتحوّل عنهم وبكى ثمّ عادَ إليهم وخاطبهم وأخذ من بينهم شمعون فقيّدهُ بمشهدهم ، وأمر يوسف أن تُملأ أوعيتهم قمحاً وتُردّ فِضّة كلّ واحدٍ منهم في جوالقهِ (عِدْلِهِ) وأن يُعطَوا زاداً للطريق ، فصُنِعَ لهم كما أمر ، وحملوا ميرتهم على حميرهم وساروا من هناك وجاؤوا أباهم وقصّوا عليه جميع ما نالهم . وهذا معنى قوله :

60 - (فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ ) يعني بأخيهِ بنيامين (فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي ) في المرّة الثانية (وَلاَ تَقْرَبُونِ ) مصر .

61 - (قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ ) أي سنطلبهُ من أبيهِ أن يُرسلهُ معنا (وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ) ما أمرتنا بهِ .

62 - (وَقَالَ) يوسف (لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ ) يعني فضّتهم الّتي اشترَوا بها القمحَ (فِي رِحَالِهِمْ ) مفردها رحل وهو ما يُشدّ على ظهر الدابّةِ والبعير ، أي في أثاثهم ومتاعهم (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا ) يعني لعلّهم يعرفون المكيدة الّتي عملناها معهم بأن طلبنا منهم إحضار بنيامين ، فيقولون لو كان رجُلاً أجنبيّاً ما أكرَمنا وأضافنا في قصرِه وأعادَ فضّتنا إلينا فلعلّهُ أخونا يوسف (إِذَا انقَلَبُواْ ) يعني إذا رجعوا (إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) إلى مصر مرّةً اُخرى ولا يخافون . ولكنّهم لم يفهموا أنّها مكيدة ولم يعرفوا أنّه أخوهم يوسف .

63 - (فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ ) في المستقبَل (فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا ) بنيامين (نَكْتَلْ) طعاماً (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) من أن يُصيبهُ مكروه .

64 - (قَالَ) يعقوب (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ ) يوسف (مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ) من حفظكم لهُ (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) يرحم ضَعفي وكِبرَ سنّي ويردّهُ عليّ .

65 - (وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ ) أي فضّتهم (رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ) أي ما نُريد من هذا الرجل فنتّهمهُ بسوء ، ومن ذلك قول الخنساء :

                                فقومِي يا صَفِيّةُ في نساءٍ      بِحَرِّ الشمسِ لا يَبْغِينَ ظِلّا

(هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ) أي ردّها إلينا وأكرمَنا وأضافَنا في بيتهِ فلو كانت له نيّة سوء مع أخينا بنيامين لم يصنع معنا معروفاً كما ترى (وَ) بذهابنا إليهِ (نَمِيرُ أَهْلَنَا ) بالقمح ، أي نأتي لهم بالطعام ، ومن ذلك قول الأعشى :

                               لَسْنَا بِعِيرٍ وبَيْتِ اللهِ مائِرَةٍ      إلَّا عَلَيْها دُرُوعُ القَوْمِ والزَّغَفُ

يقول الشاعر : ليست قافِلتنا مُحمّلة بالطعام لتنهبوها بل مُحمّلة بالدروع والسيوف فنقاتلكم بها . (وَنَحْفَظُ أَخَانَا ) بنيامين من كلّ سوء (وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ) من القمح بازدياد شخصٍ آخر فنكون أحد عشر رجلاً (ذَلِكَ) أي الطعام الّذي نحصل عليه بواسطة بنيامين (كَيْلٌ يَسِيرٌ ) أي ميسور

66 - (قَالَ) يعقوب (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ ) أي تُعطوني عُهوداً مُوَثّقة بأيمانٍ من الله (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ ) يعني بأن ترجعوهُ إليّ (إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ ) جميعاً ، يعني إلاّ أن تحيط بكم أعداء لكم أو لصوص فتأسركم جميعاً فلا لَومَ عليكم حينئذٍ (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ ) أي أعطَوهُ عهودهم (قَالَ) يعقوب (اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) أي حافظٌ لقولنا وسامعٌ لعهدنا فإن أخلفتم إنتصفَ لي منكم .

67 - (وَقَالَ) يعقوب لبنيه (يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ) وذلك لَمّا سمع أنّ عزيز مصر قال لأولاده أنتم جواسيس ، خافَ على أولاده من مكيدة دبّرها لهم عزيز مصر فيريد أن يسجنهم ، فقال لا تدخلوا مصر من بابٍ واحدٍ فإن سُجنَ أحدكم أوأصابهُ مكروه فإنّ الباقين يعلمون بهِ طبعاً فيمكنهم أن يُخلّصوهُ من السجن أو يُساعدوهُ بشيء إنْ لم يتمكّنوا من تخليصهِ (وَمَا أُغْنِي عَنكُم ) بهذهِ الوصيّة (مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ) يعني ما اُغني من قضاء الله وقدرهِ من شيء إن أراد الله بكم سوءاً ولكن خُذوا الحذر (إِنِ الْحُكْمُ ) في الهلاك والنجاة (إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ) في إرسال بنيامين معكم (وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) في شؤونهم .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم