كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة آل عمران من الآية( 59) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

59 - (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ ) في خلقتهِ بلا أب (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُنْ ) بشراً فكان كما أراد الله وكذلك إذا أراد أن يخلق غيرهُ أن يقول له كنْ (فَيَكُونُ) يعني قدرته دائمة في الماضي والمستقبل فلا تتغيّر مع تغيّر الأزمنة ، ومن ذلك قول حسّان بن ثابت :

                                  فلا زِلتم كما كُنتُم قديماً      ولا زِلْنا كما كُنّا نَكونُ

60 - (الْحَقُّ) في قِصّةِ عيسى (مِن رَّبِّكَ ) أي الّتي جاءتك من ربّك وهي الّتي تلوناها عليك يا محمّد ، وأمّا الّتي يقول بها النصارى ويجادلونك بها فهي أوهام وليست حقيقيّة لأنّهم بنَوا عقائدهم على ما جرت به العادة فلذلك أنكروا قدرة الله على خلق الإنسان من غير أب (فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ ) في ذلك ، أي فلا تكنْ من الشاكّين في أنّ الإنسان يمكن أن يُخلَق بلا أب فإنّ الله على كلّ شيءٍ قدير .

61 - (فَمَنْ حَآجَّكَ ) وجادلك (فِيهِ) أي في أمر عيسى (مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ) بأنّ الله خلقَه بغير أب وأنّه رسول من الله وليس إبنه كما يزعمون (فَقُلْ) لهم (تَعَالَوْا) إلى المباهَلة (نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ) أي ندعو من الله أنتم بجمعكم ونحنُ بجمعنا (فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) منّا ومنكم ، يعني ندعو من الله أن يُنزّل العذاب على من هو كاذب في أقواله . ولَمّا دعاهم رسول الله إلى المباهَلة وتواعدوا في المكان والزمان المعيّنين قال رئيس الوفد لأصحابه النصارى اُنظروا إن كان محمّد قد جاء بأهلهِ وأولادهِ فلا تُباهِلوه فإنّ الحقّ معه ، وإن كان قد جاء بغير أهله فباهِلوه فإنّه خائف على أهله وأولاده ، فلمّا رأوا أنّه جاء بعليّ وفاطمة والحسن والحسين إمتنع وفد النصارى عن المباهَلة ووافقوا بأداء الجزية ، ولَمّا رجع وفد نجران إلى بلدهم عادَ إثنان منهم بعد زمن قصير إلى النبيّ بهديّة وأسلَما . وكانت الجزية الّتي فرضها على نفسه رئيس وفد نجران ألفَي حلّة من حلل الأواقي قسمة كلّ حلّة أربعون درهماً وعلى عارية ثلاثين درعاً وثلاثين رمحاً وثلاثين فرساً .

62 - (إِنَّ هَـذَا ) الحديث الّذي أوحيناهُ إليك في أمر عيسى (لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ) أي الصِدق (وَمَا مِنْ إِلَـهٍ ) في الكون (إِلاَّ اللّهُ ) وحده (وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ) في مُلكه ينتقم مِمّن يعبد غيره وإن كان المعبود نبيّاً أو ملَكاً من الملائكة المقرّبين (الْحَكِيمُ) في خلقهِ .

63 - (فَإِن تَوَلَّوْاْ ) عنك ولم يُصدّقوك (فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ) الّذينَ يُفسِدون عقائد قومهم لأجل مصالحهم ولأجل رئاستهم .

64 - (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ) يعني اليهود والنصارى (تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ ) أقولها لكم (سَوَاءٍ) نتّفق نحن وأنتم فنجعل عهداً (بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ) والعهد هو (أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ ) وحده كما أمرنا هو بذلك على ألسُن أنبيائه وكما جاء في الألواح والكتُب السماويّة (وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ ) في العبادة (شَيْئًا) من المخلوقات (وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ) فلا نعبد المسيح ولا نقدّس الأحبار ولا الرهبان ولا نعظّم قبور الأنبياء ولا الكهنة ولا المشايخ ولا الأئمة لأنّ ذلك كلّه إشراك ولا يرضى به الله . ولَمّا نزل قوله تعالى في سورة التوبة {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ } قال عديّ بن حاتم : "ما كنّا نعبدهم يا رسول الله ". فقال (ع) : "أما كانوا يحلّون لكم ويحرّمون فتأخذون بقولهم؟" فقال : "نعم"، فقال : "أما كنتم تعظّمونهم وتقبّلون أيديهم؟" قال: "نعم" ، فقال النبيّ : "هو ذاك " . (فَإِن تَوَلَّوْاْ ) عنك ولم يسمعوا لقولك (فَقُولُواْ) أنتم أيّها المسلمون مقابل إعراضهم (اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) أي مستسلمون منقادون لِما أتى به النبيّ من عند الله .

65 - إجتمع أحبار اليهود ونصارى نجران عند رسول الله فتنازعوا في إبراهيم فقالت اليهود ما كان إلاّ يهوديّاً ، وقالت النصارى ما كان إلاّ نصرانياً ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ ) أي لِمَ تتنازعون وتجادلون فيه وتدّعون أنّهُ كان على دينكم (وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ ) أي من بعد إبراهيم بزمنٍ طويل وبعد نزولِها حدثت اليهودية والنصرانية (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) بُطلان قولكم .

66 - (هَاأَنتُمْ ) يا معشر اليهود ، وكلمة "ها" تستعمل للعتاب والتعزير والتنبيه (هَؤُلاءِ) الّذينَ عبدوا العجل والبعليم وعشتاروث والشعرى اليمانيّة وغيرها ثمّ تزعمون أنّ إبراهيم كان على دينكم فإنّ إبراهيم لم يكن مشركاً بل كان حنيفاً مُسلماً ، ثمّ (حَاجَجْتُمْ) أي جادلتم وخاصمتم (فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ ) من أمر موسى وعيسى وزعمكم أنّكم على دينهما (فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ) من شأن إبراهيم (وَاللّهُ يَعْلَمُ ) شأن إبراهيم ودينه (وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) حقيقة ذلك إلاّ ظنّاً منكم .

67 - (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا ) كما تزعمون (وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا ) أي موحِداً (مُّسْلِمًا) أي مستسلماً لأمر الله (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) كما أشركتم وعصيتم .

68 - (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ ) يعني أحقّ الناس بإبراهيم وهو على دينه (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) في دينه ، أصلها الّذينَ اتّبعوه ، واللام الآخر للتوكيد ، فيكون المعنى : هم الّذينَ اتّبعوهُ (وَهَـذَا النبيّ ) محمّد (وَالّذينَ آمَنُواْ ) مع محمّد هم أولَى بأن يقولوا نحن على دين إبراهيم لأنّهم يعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئاً من المخلوقات (وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) فهو يحبّهم ويتولّى شؤونهم .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم