كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
60 - (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ ) أي طلب الماء لقومه لَمّا عطشوا ، وذلك في الصحراء في موضع يسمّى رفيديم (فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ) . كان جبل في تلك الصحراء يسمّى جبل حوريب وفيه حجر كبير ظاهر من الجبل فضرب موسى ذلك الحجر بعصاهُ (فَانفَجَرَتْ مِنْهُ126 اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ) من الماء ، يعني اثنا عشر ينبوعاً من ذلك الجبل (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ) أي قد علِم كلّ سبط من أسباط إسرائيل موضع شربِهم ، لأنّ موسى قسّم تلك الينابيع عليهم (كُلُواْ ) من المنّ والسلوى (وَاشْرَبُواْ ) من هذه الينابيع ، هذا (مِن رِّزْقِ اللَّهِ ) أعطاكم الله إيّاه (وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) ، العثوّ هو التخبّط في المكان أو بالشيء حتّى يتلفه أو يفسده ويبعثره ، ومن ذلك قول عنترة :
لِمَن طَلَلٌ بِالرَقمَتَينِ شَجانِي وَعاثَتْ بِهِ أَيدِي البِلَى فَحَكانِي
وقال الأعشى :
كَأَنَّكَ لَمْ تَشْهَدْ قَرابينَ جّمَّةً تَعِيثُ ضِبَاعٌ فِيهمُ وَعَواسِلُ
العواسل هي الذئاب ، والقرابين هم القتلى . ولا تزال هذه الكلمة مستعملة في الموصِل [في العراق ] ، وغيرها من البلدان العربيّة ، والمعنى : لا تُفسدوا فينتشر فسادكم في الأرض بسبب انتقالكم في السَفر والحضَر لأنّ الناس مُقلّدون فيقلّدوكم في أعمالكم الباطلة .
فشرب بنو إسرائيل من تلك العيون ما داموا هناك ، ولَمّا ارتحلوا أخذوا يبحثون عن آبار وينابيع اُخرى ليشربوا منها .
وقد انفجر الماء مرّتين الاُولى في رفيديم تفجّر من جبل حوريب بالماء اثنتي عشرة عيناً ، وانفجر الحجر بعين واحدة من الماء لَمّا ضربه موسى بعصاه أيضاً وذلك في برّية صين في موضع يسمّى قادش ، وإنّما انفجرت عين واحدة في قادش ولم تنفجر اثنتا عشرة عيناً لأنّ الله تعالى أمر موسى أن يكلّم الحجر في هذا المكان بأن يعطي ماءً13 ، ولكن موسى لم يكلّم الحجر بل ضربه بالعصا كما في المرّة الاُولى ولذلك انفجرت عين واحدة ، ففعل موسى في هذا الموضع بخلاف ما أمره الله فعاتبه الله تعالى على ذلك ، وهناك ماتت مريم اُخت هارون ودُفِنَتْ هناك .
61 - (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ ) وهو المنّ ، وأمّا السلوى لم تنزل عليهم على الدوام بل في بعض الأحيان (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا ) أي الخُضروات (وَقِثَّآئِهَا ) وهو خيار تعروزي (وَفُومِهَا ) أي الثوم ، وكان اسمه فوم في قديم الزمان ولكن عند اختلاف الألسن واللغات الأجنبيّة صاروا يسمّونه ثوماً ، والشاهد على ذلك قول الشاعر وهو يصف بستاناً ويصف زرعها :
كانَتْ لَهمْ جنّةٌ إذْ ذاكَ ظاهِرَةٌ فيها الفَرادِيسُ والفُومانُ وَالبَصَلُ
وإنّما قال الشاعر فومان لأنّ الثوم نوعان وهما الثوم العادي وثوم العجم ويسمّى عند العرب "سير" ، وقال اُحَيحة بن الجلاّح :
قَدْ كُنْتُ أَغْنَى النَّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا وَرَدَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومِ
وفي مجموعة التوراة أيضاً قال بالثوم من جملة ما طلبوه ، وذلك في سِفر العدد في الإصحاح 11
(وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ ) الله تعالى جواباً لسؤالِهم (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) يعني أتستبدلون الخضروات والثوم والبصل بالمنّ والسلوى؟ (اهْبِطُواْ مِصْراً ) من الأمصار ، يعني اُدخلوا مدينة من المدن الواسعة ، ومن ذلك قول حسّان بن ثابت :
وشرُّ مَن يحضرُ الأمصَارَ حاضرُها وشـرُّ باديـة ِ الأعـرابِ باديهـا
(فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ) يعني تجدون فيها ما أردتم (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ) بسبب عنادهم وامتناعهم عن الدخول إلى قرية أريحا فتاهُوا في القفر أربعين سنة (وَالْمَسْكَنَةُ) يعني وأصابهم الخضوع والانكسار (وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ) أي ورجعوا بعد عزّهم بغضب من الله ، وذلك الطاعون الذي أصابَهم فأهلك كثيراً منهم في البرّية والأفاعي التي كانت تلدغهم ، وذلك في طريق بحر سوف من جبل هور إلى أرض أدوم ، فمات كثير منهم من لدغ الأفاعي (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ ) أي بغير ذنب اقترفوه (ذَلِكَ) إشارة إلى الذلّ والمسكنة والطاعون والأفاعي (بِمَا عَصَواْ ) أمر ربّهم (وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) على الضعفاء منهم .
62 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ مَن آمَنَ بالله مِن جميع الاُمَم وصدّق رُسُلَهُ وسار على نهجهم فلم يُغيّر شرائع الله وعمل صالحاً ، ثمّ مات قبل مجيء محمّد فله أجره عند الله ، وذلك قوله تعالى (إِنَّ الّذينَ آمَنُواْ ) بمحمّد ، يعني المسلمين (وَالّذينَ هَادُواْ ) يعني اليهود (وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ ) أي الصابئة ( مَنْ آمَنَ ) منهم (بِاللَّهِ) إيماناً خالصاً لم يشرك به شيئاً (وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يعني وصدّق بيوم القيامة ، لأنّ الأرض تتمزّق في ذلك اليوم فلا يكون بعد ذلك ليلٌ أو نهار في الأرض (وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) في الآخرة (وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من الشياطين (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فِراق الأهل بعد موتِهم .
63 - ثمّ عادَ سبحانهُ إلى خِطاب بني إسرائيل فقال (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ) يعني أخذنا عليكم الميثاق في زمن موسى وفي زمن يوشع بن نون بأن لا تُشركوا بالله شيئاً ولا تجتَرِئوا على المعاصي ، فنقضتم المواثيق ونكثتم العهود وعصيتم أمرَ ربّكم وعبدتم العجلَ في زمن موسى وعبدتم البعلَ وعشتاروث وغيرها بعد وفاة سُليمان (وَ) اذكروا أيضاً إذ أخذنا عليكم الميثاق لَمّا (رَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) وهو الجبل الذي كان موسى يناجي فوقهُ ، وذلك لَمّا نزل بالألواح إليهم في المرّة الثانية قالوا ومن يُصدّق أنّها من عند الله ، وكانوا تحت الجبل فاهتزّ الجبل وانشقّ ومالت الشُقّة عليهم وكادت تسقط عليهم فتقتلهم لولا أنّهم صاحوا آمَنّا وصدّقنا ، فاستقرّت الشُقّة في مكانِها ولم تسقط عليهم ، فحينئذٍ أخذ موسى عليهم العهد بأن لا يعودوا إلى تكذيبهِ مرّةً اُخرى ، وقال لَهم (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم ) في الألواح (بِقُوَّةٍ) يعني بقوّة عزمٍ ويقين ، واعملوا بِما فيها من أحكام ولا تكونوا شاكّين متردّدِين (وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ ) يعني واتّعظوا بِما في الكتاب أي التوراة ، فكلمة "ذِكر" معناها الموعظة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) عقابهُ إن اتّعظتم وعملتم بِما في التوراة . ونظير هذه الآية في سورة الأعراف قوله تعالى {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .
------------------------------------13 : خذ العصا واجمع الجماعة أنت وهارون أخوك وكلّما الصخرة على عيونِهم فتعطي مياهها " عدد 20: 8 ؛ وتريد الآية إفهام بني إسرائيل أنّ الحجر يفهم ويعطي الماء ، ولكنّهم أسوء حالاً من الصخر – المراجع .126 :أي من ذلك المكانكتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |