كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الكهف من الآية( 61) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

61 - (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا ) يعني فلمّا وصلا عند مُلتقَى البحرين (نَسِيَا حُوتَهُمَا ) أن يضعاهُ في الماء ، وكانت هناك صخرة فجلسا عندها يستريحان ثمّ نام موسى وبقي يوشع جالساً [أو مستيقظاً ] ، وبعد بُرهةٍ قفزت السمكة من الزنبيل الّذي فيه متاعهم وسقطت في البحر وأخذت تسبح في الماء ، فهذا معنى قوله تعالى (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ) أي اتّخذ الحوت طريقاً له في الماء يسيرُ ويسبح فيه . الحوت معناه السمكة . ثمّ استيقظ موسى من نومه وقاما يمشيان على حافّة البحر ليجدا ذلك الشخص الّذي يطلبانه ، فألقَى الله التعب والجوع على موسى ليرجع إلى مكانه عند الصخرة ، وذلك قوله تعالى :

62 - (فَلَمَّا جَاوَزَا ) الصخرة وبعُدا عنها (قَالَ) موسى (لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ) أي تعباً ، فالنصَب معناه التعب ، ومن ذلك قوله تعالى [في سورة الشرح ] {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ . وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } .

63 - فلمّا مدّ يوشع يدهُ إلى الزنبيل ليخرج له طعاماً تذكّر الحوت وكيف سقطت في البحر (قَالَ) يوشع لموسى (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ) لك وكيف سقط في الماء (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) . تعجّب يوشع من إحياء السمكة وسقوطها في البحر .

64 - (قَالَ) موسى ليوشع (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ) أي ما كنّا نطلب من علامة وهي إحياء السمكة (فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ) أي رجعا يتبعان آثار أقدامهما حتّى وصلا المكان الأوّل الّذي جلسا فيه عند الصخرة .

65 - (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ) هو ملَك أرسلهُ الله تعالى على صورة إنسان ليُريَ موسى بعض المعلومات لكي يتعوّد على الصبر ولا يستعجل في الاُمور، فتبعهُ موسى وبقي يوشع ينتظرهُ على حافّة البحر إلى أن رجع موسى . والدليل على أنّه ملَك قوله (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) ، فقوله (فَخَشِينَا) على الجمع دليل على أنّه من الملائكة ، فلو كان من البشر لقال "فخشيتُ" على الإفراد ، ثمّ قولهُ (فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ) ، فلو كان من البشر لقال "فأردتُ" على الإفراد .

66 - (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ ) في سَفرك (عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ) ؟

67 - (قَالَ) العالِم (إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ) .

68 - (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) أي كيف تصبر على شيء لم تعرف حقيقتهُ وهو عندك مُنكَر ؟

69 - (قَالَ) موسى (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) .

70 - (قَالَ) العالِم (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ) يعني حتّى اُحدّثك عنهُ واُفهمك بهِ .

71 - (فَانطَلَقَا) يمشيان على شاطئ البحر (حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ ) للعبور إلى جهةٍ اُخرى ولَمّا وصلا المكان الّذي قصداهُ وأرادا النزول منها (خَرَقَهَا) العالِم بأن قلعَ لوحاً منها (قَالَ) له موسى مُستنكِراً فِعلهُ (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ) أي شيئاً مُنكَراً .

72 - (قَالَ) العالِم (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ) ؟

73 - (قَالَ) موسى مُعتذراً لهُ (لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي ) أي لا تكلّفني (مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) أي عاملني باليُسر ولا تعاملني بالعُسر ولا تضيّق عليّ الأمر في صُحبتي إيّاك .

74 - (فَانطَلَقَا) يمشيان (حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ ) العالِم بضربةٍ على قلبهِ وتركهُ ملقىً على الأرض (قَالَ) له موسى (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً ) أي لا ذنبَ لها (بِغَيْرِ نَفْسٍ ) أي بغير قِصاص ، والمعنى : إنّه لم يقتل أحداً لتقتصّ منه فتقتلهُ (لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا ) أي شيئاً مُنكراً .

75 - (قَالَ) العالِم (أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا ) ؟

76 - (قَالَ) موسى (إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي ) أي من قِبَلي (عُذْرًا) أعتذرُ بهِ إليك .

77 - (فَانطَلَقَا) يمشيان (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ) يعني طلبا منهم الطعام ضيافةً (فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا ) مائلاً (يُرِيدُ) جارهُ (أَنْ يَنقَضَّ ) عليهِ فيهدمه ويأخذ الكنز الّذي تحتهُ ، لأنّ جاره كان عالِماً بالكنز فكان يترقّب الفرصة ليهدّم الجدار ويسرق الكنز ، فقوله تعالى (يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ ) صِفة لجاره وليس صفة للجدار ، فلو كانت للجدار لقال تعالى "كاد أن يتهدّم" ، كما قال تعالى في سورة الحـج {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ } ، أمّا كلمة "الإنقضاض" فمعناها الهجوم على الشيء ، يُقال "إنقضّ الصقرُ على فريستهِ" أي هجم عليها ، و"إنقضّ الفارس على قرنهِ" أي هجم عليه ، والشاهد على ذلك قول النابغة يصفُ ثوراً :

                         إنقضَّ كالكوكبِ الدُّرِّيِّ مُنْصَلِتاً      يَهْوِي ويَخْلِطُ تَقْرِيْباً بِإحْضَارِ

وقال عنترة يصفُ جوادهُ يومَ القتال :

                               فَعَلَيْهِ أقْتَحِمُ الهِياجَ تَقَحُّماً      فِيها وأنْقَضُّ انْقِضاضَ الأجْدَلِ

والأجدل صِفة للصقر ، يعني انقضاض الصقر على فريستهِ ، وقال كعب بن زُهير يصف قطاةً وبازاً يُريد أن يصيدها :


                           غَدَا على قَدَرٍ يَهْوِي ففاجَأَها      فانْقَضَّ وهو بِوَشْكِ الصَّيْدِ قَدْ وَثِقَا

وقال امرؤ القيس :

                       رَأَى أَرْنباً فانْقَضَّ يَهْوِي أمامَهُ      إلَيْهَا وجَلاّهَا بِطَرْفٍ مُلَقْلِقِ

(فَأَقَامَهُ) العالِم بالبناء والترديد لأحجارِه المتساقِطة (قَالَ) موسى (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ) أي اُجرة على بنائهِ .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم