كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
61 - (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ ) وهو المنّ ، وأمّا السلوى لم تنزل عليهم على الدوام بل في بعض الأحيان (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا ) أي الخُضروات (وَقِثَّآئِهَا ) وهو خيار تعروزي (وَفُومِهَا ) أي الثوم ، وكان اسمه فوم في قديم الزمان ولكن عند اختلاف الألسن واللغات الأجنبيّة صاروا يسمّونه ثوماً ، والشاهد على ذلك قول الشاعر وهو يصف بستاناً ويصف زرعها :
كانَتْ لَهمْ جنّةٌ إذْ ذاكَ ظاهِرَةٌ فيها الفَرادِيسُ والفُومانُ وَالبَصَلُ
وإنّما قال الشاعر فومان لأنّ الثوم نوعان وهما الثوم العادي وثوم العجم ويسمّى عند العرب "سير" ، وقال اُحَيحة بن الجلاّح :
قَدْ كُنْتُ أَغْنَى النَّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا وَرَدَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومِ
وفي مجموعة التوراة أيضاً قال بالثوم من جملة ما طلبوه ، وذلك في سِفر العدد في الإصحاح 11
(وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ ) الله تعالى جواباً لسؤالِهم (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) يعني أتستبدلون الخضروات والثوم والبصل بالمنّ والسلوى؟ (اهْبِطُواْ مِصْراً ) من الأمصار ، يعني اُدخلوا مدينة من المدن الواسعة ، ومن ذلك قول حسّان بن ثابت :
وشرُّ مَن يحضرُ الأمصَارَ حاضرُها وشـرُّ باديـة ِ الأعـرابِ باديهـا
(فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ) يعني تجدون فيها ما أردتم (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ) بسبب عنادهم وامتناعهم عن الدخول إلى قرية أريحا فتاهُوا في القفر أربعين سنة (وَالْمَسْكَنَةُ) يعني وأصابهم الخضوع والانكسار (وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ) أي ورجعوا بعد عزّهم بغضب من الله ، وذلك الطاعون الذي أصابَهم فأهلك كثيراً منهم في البرّية والأفاعي التي كانت تلدغهم ، وذلك في طريق بحر سوف من جبل هور إلى أرض أدوم ، فمات كثير منهم من لدغ الأفاعي (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ ) أي بغير ذنب اقترفوه (ذَلِكَ) إشارة إلى الذلّ والمسكنة والطاعون والأفاعي (بِمَا عَصَواْ ) أمر ربّهم (وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) على الضعفاء منهم .
62 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ مَن آمَنَ بالله مِن جميع الاُمَم وصدّق رُسُلَهُ وسار على نهجهم فلم يُغيّر شرائع الله وعمل صالحاً ، ثمّ مات قبل مجيء محمّد فله أجره عند الله ، وذلك قوله تعالى (إِنَّ الّذينَ آمَنُواْ ) بمحمّد ، يعني المسلمين (وَالّذينَ هَادُواْ ) يعني اليهود (وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ ) أي الصابئة ( مَنْ آمَنَ ) منهم (بِاللَّهِ) إيماناً خالصاً لم يشرك به شيئاً (وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يعني وصدّق بيوم القيامة ، لأنّ الأرض تتمزّق في ذلك اليوم فلا يكون بعد ذلك ليلٌ أو نهار في الأرض (وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) في الآخرة (وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من الشياطين (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فِراق الأهل بعد موتِهم .
63 - ثمّ عادَ سبحانهُ إلى خِطاب بني إسرائيل فقال (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ) يعني أخذنا عليكم الميثاق في زمن موسى وفي زمن يوشع بن نون بأن لا تُشركوا بالله شيئاً ولا تجتَرِئوا على المعاصي ، فنقضتم المواثيق ونكثتم العهود وعصيتم أمرَ ربّكم وعبدتم العجلَ في زمن موسى وعبدتم البعلَ وعشتاروث وغيرها بعد وفاة سُليمان (وَ) اذكروا أيضاً إذ أخذنا عليكم الميثاق لَمّا (رَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) وهو الجبل الذي كان موسى يناجي فوقهُ ، وذلك لَمّا نزل بالألواح إليهم في المرّة الثانية قالوا ومن يُصدّق أنّها من عند الله ، وكانوا تحت الجبل فاهتزّ الجبل وانشقّ ومالت الشُقّة عليهم وكادت تسقط عليهم فتقتلهم لولا أنّهم صاحوا آمَنّا وصدّقنا ، فاستقرّت الشُقّة في مكانِها ولم تسقط عليهم ، فحينئذٍ أخذ موسى عليهم العهد بأن لا يعودوا إلى تكذيبهِ مرّةً اُخرى ، وقال لَهم (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم ) في الألواح (بِقُوَّةٍ) يعني بقوّة عزمٍ ويقين ، واعملوا بِما فيها من أحكام ولا تكونوا شاكّين متردّدِين (وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ ) يعني واتّعظوا بِما في الكتاب أي التوراة ، فكلمة "ذِكر" معناها الموعظة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) عقابهُ إن اتّعظتم وعملتم بِما في التوراة . ونظير هذه الآية في سورة الأعراف قوله تعالى {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .
64 - (ثُمَّ تَوَلَّيْتُم ) أي رجعتم عن طاعة الله (مِّن بَعْدِ ذَلِكَ ) الميثاق (فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ) بأن بعثَ فيكم أنبياء وهُداة (لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) في الآخرة .
65 - (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ) يا بني إسرائيل قصّة يهوذا والصوريّين الساكنين في يهوذا (الّذينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ ) بأن اشتغلوا وباعوا واشترَوا وصادوا السمك ، وكان محرّماً عليهم ذلك في السبت (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) أي مطرودين كالقردة .
فإنّ الله تعالى أوحَى إلى نحميا بن حكليا أن يؤنّب رؤساء يهوذا على أفعالِهم وأن يغلق أبواب المدينة ليلة السبت لكيلا يأتي أحد من هؤلاء ليبيع ويشتري يوم السبت ، فأمر نحميا غلمانه بأن يغلقوا أبواب المدينة ولا يفتحوها إلاّ بعد السبت ، فبات هؤلاء خارج المدينة أذلاّء مطرودين بلا غطاء ولا وطاء ، وصعد نحميا فوق السور وأنّبهم على أعمالهم وأنّب رؤساء يهوذا على أفعالِهم هذه ، فكان كلٌّ منهم يقول رأينا بني فلان يصيدون فصدنا نحن ، ورأينا بني فلان يبيعون فبعنا نحن ، فقال لَهم نحميا : إنّ القِرَدة تقلّد الإنسان في أعماله فأنتم أصبحتم كالقِرَدة تقلّدون عاملي الشرّ فلماذا لا تنهَون عن الشرّ بل تعملون كعملهم؟
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |