كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الحج من الآية( 61) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

61 - (ذَلِكَ) النصر للمؤمنين (بِأَنَّ اللَّهَ ) وعدهم بالنصر في المستقبل (يُولِجُ اللّيل فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللّيل ) أي يُدخلُ بعضهما في بعض وذلك بسبب دوران الأرض حول محورها ، والمعنى : إنّ الله تعالى يُداول الأيّام حتّى يأتي يوم النصر للمسلمين . ومِثلها في سورة آل عمران قوله تعالى {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } ، (وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ) لدعاء المؤمنين (بَصِيرٌ) بهم وبمن بَغَى عليهم .

62 - (ذَلِكَ) الوعد بالنصر للمؤمنين (بِأَنَّ) وعد (اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ) وأنّ الله لا يخلف الميعاد (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ) ومن تمسّك بالباطل لا ينتصر (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) لا يغلبهُ أحد .

63 - ثمّ خاطب رسوله فقال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ) بالنبات ، والمعنى : لا تستبعد أن يكون النصر لأصحابك لأنّهم قليلون والمشركين كثيرون ، فإنّ الله يجعل سبباً فتكثر أصحابك كما يكثر النبات وينمو بالمطر (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ ) بعبادهِ المؤمنين (خَبِيرٌ) بأحوالهم .

64 - (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الغازيّة من طيرٍ يطير (وَمَا فِي الْأَرْضِ ) من دوابّ تسير ومُلكٍ كثير فيهبُ ما يشاء منهما لك ولأصحابك المؤمنين (وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ ) فيُعطيكم من مُلكهِ ويرزقكم من فضلهِ ، وهو (الْحَمِيد) على عطاياهُ فيجب أن تحمدوهُ .

65 - (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ ) من نبات وحيوان ، وما في البحر من أسماك ولؤلؤ ومرجان (وَالْفُلْكَ) أي السُفُن (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ) أي بتقديرِه وبالرياح الّتي تسوق السُفُن الشراعيّة (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ ) أي الطبقات الغازيّة الخانقة (أَن تَقَعَ ) يعني لئلا تقع (عَلَى الْأَرْضِ ) فتموت الناس خنقاً وتسمّماً باستنشاقها (إِلَّا بِإِذْنِهِ ) يعني قبل يوم القيامة فإنّه تعالى يأذن لها في الوقوع فتقع (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) إذْ جعل تلك الغازات خفيفة الوزن فارتفعت إلى الأعلى لئلا تختنقوا باستنشاقها .

66 - ثمّ خاطب المسلمين فقال الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ) أي أعزّكم بدين الإسلام (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ) بعد بضع قرون ، أي يذلّكم بسبب كفركم ونفاقكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) في زمن المهدي بسبب دُعائكم وتضرّعكم إلى الله (إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ ) للنِعم . فالحياة والممات هنا كناية عن العِزّ والذلّ . ومِثلها في سورة البقرة في وصف بني إسرائيل قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } يعني أذلّهم بسبب عنادهم ثمّ أعزّهم بأولادهم بعد أربعين سنة . ثمّ قوله تعالى في سورة ي س {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} ، فموت الأرض كناية عن جدبها ، وإحياؤها كناية عن خصبها .

فالإسلام قد سادَ وارتقَى مدّة سبعة قرون ففتحوا البلاد وسادوا الاُمَم ماداموا سائرين على طريقةٍ مستقيمة ودين قويم . ولَمّا غيّروا وبدّلوا وزادوا في الترف والطرب وشربوا الخمور وفسدوا في الأرض حينئذٍ سلّط الله عليهم التتر فقتلوهم وأذلّوهم ومزّقوا كُتُبهم وخرّبوا مساجدهم ، وذلك في زمن آخر ملِك من ملوك بني العبّاس ، ومن ذلك الوقت أخذ المسلمون في النزول والانحطاط حتّى أصبحوا مُستعبَدين للنصارى وغيرهم سبعة قرون أيضاً ، وبعد ما ذاقوا ألم الاستعباد ومرارة العيش تضرّعوا إلى الله وشكَوا ما بهم من ذلٍّ وضيق فاستجاب الله لهم وأخذَ في فكّ رقابهم من يد المستعمِرين وسيحيَون بالمهدي حياةً سعيدة وتكون لهم اليد العُليا ويسود دين الإسلام جميع الأديان ، وذلك معنى قوله تعالى في سورة الفتح {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} . وسيملأ الله بهِ الدنيا قِسطاً وعدلاً بعد ما مُلئت ظلماً وجورا .

67 - جادل نفرٌ من اليهود جماعة من المسلمين في أمر القبلة وبيت المقدس فنزلت هذه الآية (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ) أي لكلّ مِلّةٍ جعلنا بيتاً للعبادة هم مُلازموهُ ، فاليهود مكان تعبّدهم في بيت المقدس والمسلمون مكّة في بيت الله العتيق (فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ) أي فلا داعي إلى هذا النزاع والجدال في هذا الموضوع فلا تلتفت إلى أقوالهم (وَادْعُ إِلَى ) دِين (رَبِّكَ) وإلى عبادتهِ (إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ ) فلا تشغلك هذه الاُمور البسيطة فالمهمّ في ذلك كلّه هو عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان والأصنام .

68 - (وَإِن جَادَلُوكَ ) مرّةً اُخرى (فَقُلِ) لهم (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ) من تغيير وتبديل عملتموهُ بأهوائكم فقد أخذتم الربا وشربتم الخمر وهو مُحرّم عليكم وتركتم غُسل الجنابة وهو واجب عليكم ومِثل ذلك كثير .

69 - (اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) من أمر دِينكم .

70 - (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ ) فيعلم ما بدّلوهُ وغيّروهُ (إِنَّ ذَلِكَ ) التغيير والتبديل (فِي كِتَابٍ ) أعمالهم مكتوب لا يفوتنا شيءٌ منها فنعاقبهم عليها (إِنَّ ذَلِكَ ) العقاب (عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) أي سهل لا صعوبة فيه .

71 - (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) البعلَ وعشتاروث والشِعرى اليمانيّة (مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ ) أي بعبادتهِ (سُلْطَانًا) في توراتهم ، أي ما لم يُنزّل بعبادتها بياناً ولا حُكماً (وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ ) أي بوجودهِ (عِلْمٌ) يعني ويعبدون شيئاً حديثاً لم يكن موجوداً قبلهم لكي يُقلّدون آباءهم بعبادتهِ بل صنعوهُ بأيديهم وعبدوهُ بأنفسهم قبل غيرهم . وهي عجلين من ذهب صنعهما لهم يربُعام بن ناباط (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) ينصرهم وينجيهم من عذاب الله .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم