كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
62 - (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا ) أي في الجنان (لَغْوًا) أي فُحشاً ولا كذِباً ولا شَتماً (إِلَّا سَلَامًا ) من الملائكة ومن بعضهم لبعض (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) هذا مثَل يُضرَب عند العرب بقولهم "بُكرةً وعشيّاً " ومعناهُ على الدوام متَى شاؤوا أكلوا من أثمار الجنّة .
63 - (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا ) يعني نجعلها إرثاً للمتّقين من عبادنا ، ومعنى الإرث هو المال الّذي ينتقل بالميراث من شخص إلى آخر . وقد قلتُ فيما سبق بأنّ الجنّة وليدة أرضنا وأشجارها وليدة أشجارنا وأمتعتها وليدة أمتعتنا الّتي على الأرض ، لأنّ المادّيات هي قوالب للأثيريّات ، فكلّ شيء مادّي يتلاشَى ، ويبقَى كلّ أثيري فتأخذهُ الملائكة إلى الجنان الأثيريّة ، فالكافرون لهم أموال في الدنيا من بساتين وأملاك وأثاث وغير ذلك ، فما كان للكافرين في دار الدنيا يكون إرثاً للمؤمنين في الجنّة ، يعني الأثيري منها لا المادّي .
64 - لَمّا نزل جبرائيل بالوحي بعد انقطاعهِ خمسة عشر يوماً ، قال له النبيّ (ع) : " أنسِيتنا يا جبرائيل؟ " فأجاب (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ) يعني الأرض الّتي هيَ ما بين يديهِ (وَمَا خَلْفَنَا ) أي السماوات الّتي خلّفها وراءهُ عند نزولهِ (وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) يعني وكلّ شيء بين الأرض والسماوات فهو مُلكهُ وتحتَ تصرّفه فلا يمكننا أن نفعل شيئاً باختيارنا إلاّ بأمرٍ منهُ (وَمَا كَانَ رَبُّكَ ) يا محمّد (نَسِيًّا) فإنّ الله لم ينسَكَ ولكن أخّرَ عنك الوحي لأنّك لم تقل إن شاء الله آتيكم بالجواب لَمّا سألوك عن قِصّةِ أصحاب الكهف وقصّة ذي القرنين .
65 - (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أي ربّ الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض (وَمَا بَيْنَهُمَا ) من أقمار وشُهُب ونيازك (فَاعْبُدْهُ) يا محمّد (وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ) أي صبّر نفسك وعوّدها على عبادتهِ (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) يقوم بأعماله ؟ يعني : هل تعلم أحداً من الّذينَ يُسمّونهم آلهة يقوم بأعمال كأعمال الله فيخلق ويرزق ويُحيي ويُميت غير الله وحده ؟
66 - (وَيَقُولُ الْإِنسَانُ ) الكافر المنكر للبعث والحساب (أَئِذَا مَا مِتُّ ) يعني إذا متّ وصرتُ ترابا وعظاماً (لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ) من قبري ، ومعناه هذا أمرٌ لا يكون أبداً . وإنّما أنكروا البعث والحساب لظنّهم أنّ البعث يكون للأجسام فلذلك أنكروه ، فلو علموا أنّ البعث للنفوس وعلموا حقيقتها لكان المحتمَل لم ينكروا البعث والحساب ، وإنّ الله تعالى لم يوضّح لهم عن ذلك ليرى من يؤمن بالغيب ومن يكفر وينكر البعث فيجازيهم على ما يستحقّون ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة طـ ه {إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } .
67 - (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ ) المنكِر للبعث ، يعني ألا يتذكّر خِلقتهُ (أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ) يُذكَر ، فيستدلّ بالابتداء على الإعادة ؟
68 - (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ) أي نجمع المشركين مع شياطينهم الذين أغوَوهم (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) أي يدورون حولها ، لأنّهم لا يهتدون إلى طريق الخروج منها والتخلّص من جاذبيتها ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الحج {كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍّ أُعيدوا فيها} . وجهنم هي الشمس ، والجِثوة هي الجماعة ، يعني نحضرهم جماعاتٍ وأفواجاً .
69 - (ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ) من هؤلاء المشركين والكافرين ، أي نأخذهم من حول الشمس ونفصلهم عن جاذبيتها ونرميهم في وسطها (مِن كُلِّ شِيعَةٍ) أي من كل حزب وجماعة ، ومن ذلك قول كعب بن زهير يصف الذئب :
إنْ يَغدُ في شيعةٍ لم يُثنِهِ نَهَرٌ ..... وإنْ غَدا واحِداً لا يتّقي الظُلَمَا
يعني إن جاء الذئب في جماعة من الذئاب لم يثنه ضوء النهار ولا يخاف من أحد وإذا كان واحداً لا يتقي ظلمة الليل ولا يخاف من أحد .
(أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَـٰنِ عِتِيًّا) يعني أيّهم أشد عناداً لكتابه السماوي وتجاوزاً لأحكامه فنرميهم في وسطها ليذوقوا شدّة عذابها .
70 - (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيًّا) فننزعهم من جاذبيتها واحداً بعد الآخر ونرميهم في وسطها ليذوقوا شدّة عذابها ويصطلوا بحرارتها .
71 - (وَإِن مِّنكُمْ ) أيّها الناس (إِلَّا وَارِدُهَا ) يعني ولا واحدٌ منكم ألاّ ويكون طريقهُ على جهنّم ، لأنّ فيها قوّة جاذبة فتجذبهم إليها (كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ) أي كائناً ذلك واقعاً لا محالة .
72 - (ثُمَّ نُنَجِّي الّذينَ اتَّقَوا ) من جاذبيّة جهنّم ، وذلك بأن تأتي الملائكة فتلتقط المتّقين واحداً بعد الآخر وتأخذهم إلى الجنّة (وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) أي ونترك الظالمين فيها جماعات متراكمة بعضهم فوق البعض مُزدحمين محصورين لا اتّساع لهم في المكان . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } يعني تحصرهم لكثرتهم فيضيق عليهم المكان . وقال تعالى في سورة الأنفال {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } .
73 - (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا ) الّتي أنزلناها على محمّد (بَيِّنَاتٍ قَالَ الّذينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا ) نحن أم أنتم (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) أي وأحسن نادياً ومجلساً ، فأنتم فُقراء ضُعفاء ونحنُ أغنياء وأقوياء فاتركوا محمّداً وكونوا معنا ، فالأندية جمع نادي وهو المكان الّذي يجتمعون فيه للحديث والتسلية ، ومن ذلك قول سلامة بن جندل :
يومانِ يومُ مُقاماتٍ وأنْدِيةٍ ويومُ سَيْرٍ إلى الأعْداءٍ تَأوِيبُ
فردّ الله تعالى عليهم فقال :
74 - (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ ) كذّبوا رُسُلهم (هُمْ أَحْسَنُ ) منهم (أَثَاثًا وَرِئْيًا ) أي كانوا أحسن أثاثاً وأحسن منظراً فماتوا ودخلوا جهنّم .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |