كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة المائدة من الآية( 62) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

62 - (وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ ) أي في المعاصي (وَالْعُدْوَانِ) أي الاعتداء على الناس (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ) أي المال الحرام كالرشوة والربا والقمار وغير ذلك من اغتصاب أموال الناس (لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) من أعمال سيئة .

63 - (لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ ) أي العُبّاد المنسوبون للربّ (وَالأَحْبَارُ) وهم علماء اليهود (عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ ) أي الّذي أثِموا بهِ ، فقالوا محمّد ساحر وقد اجتمع إليه الناس بسحرِه (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ) أي وينهوهم عن أكل مال الحرام (لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ) في الماضي من تماثيل فيعبدونها ويُقدّسونها .

64 - (وَقَالَتِ الْيَهُودُ ) يعني بعض اليهود وذلك لَمّا تقتّر عليهم العيش (يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ ) أي مقبوضة عن العطاء مُمسكة عن الرزق ، فنسبوهُ إلى البخل ، فقال تعالى (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ) في عالم البرزخ بأغلال من حديد (وَلُعِنُواْ) أي أبعِدوا من رحمة الله (بِمَا قَالُواْ ) أي بسبب قولهم هذا . ثمّ ردّ الله عليهم قولهم فقال تعالى (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) بالكرم (يُنفِقُ) من خزائنه على عبادهِ (كَيْفَ يَشَاء ) لا يمنعهُ من الإنفاق مانع ولا تنفد خزائنهُ مهما أنفق (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ) أي من اليهود (مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) في القرآن من ذمّهم وإظهار مخازيهم والكشف عن عيوبهم وكفرهم ونفاقهم ، يزيدهم ذلك (طُغْيَانًا) عليك وعلى المؤمنين بك (وَكُفْرًا) بكتابك (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ) أي بين اليهود والنصارى (الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء ) وستبقى بينهم (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ ) اليهود (نَارًا لِّلْحَرْبِ ) بالفِتَن ، يعني لحرب المسلمين (أَطْفَأَهَا اللّهُ ) أي أخمدها وأبطلها (وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا ) بإثارة الفتن وهتك المحارم وتضليل العوام (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) ولذلك لا يهديهم إلى الإسلام لأنّهم مُفسدون مُنافقون .

65 - (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ ) بما اُنزلَ إليك (وَاتَّقَوْاْ) الكفر والفساد (لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ) الماضية (وَلأدْخَلْنَاهُمْ) يوم القيامة (جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) يتنعّمون فيها .

66 - (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) أي ولو أنّهم عملوا بما فيهما في الماضي ولم يغيّروا من توحيد ولم يبدّلوا من أحكام (وَ) أقاموا (مَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ) من أحكام وواجبات (لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ) يعني لكثّرنا عليهم الخيرات فأكلوا التمر من النخيل والجوز من الشجر والمنّ والطير من الفضاء ومن فوق الأشجار والأثمار من الأشجار ، هذا ما كان فوق رؤوسهم ، وأكلوا الحبوب والخضروات من الأرض الّتي تحتَ أرجلهم (مِّنْهُمْ أُمَّةٌ ) أي جماعة (مُّقْتَصِدَةٌ) أي مُصلِحة ، والشاهد على ذلك قول لبيد يرثي أخاهُ :

                              إذا اقتَصدُوا فمُقتصِدٌ أريبٌ      وإنْ جارُوا سواءَ الحقِّ جارَا

فالاقتصاد عكس الجور ، وقال جرير :

                                  وعاذِلَةٍ تَلُومُ فقلتُ مَهلاً      فلا جَوْري عليكِ ولا اقْتِصَادِي

(وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ ) مُسرفون في الذنوب (سَاء مَا يَعْمَلُونَ ) أي ساءت أعمالهم وقبُحَ فعلهم .

67 - لَمّا أعلن النبيّ دعوته لقريش لقي الأذى منهم والتكذيب والاستهزاء ، فصار يدعو الناس سِرّاً دون الجهر وتماهل في الدعوة ، فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) قومك (مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ولا تَخَفْ (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) للناس (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) أي يحرسك فلا يقدرون على قتلك (إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) بنعمتهِ إلى طريق الصواب فلا تتماهل عن القيام بواجبك إذا أنكروا عليك فالله يهدي من يشاء .

وقد قال بعض المفسّرين أنّ الله تعالى أمر النبيّ أن يجعل عليّاً بن أبي طالب خليفة على المسلمين من بعده ، فكتم النبيّ ذلك خوفاً أن يعترض بعض المسلمين على ذلك فنزلت هذه الآية . أقول لا دليل على ذلك في الآية إذ لو كان الأمر على ما قالوا وكان خوف النبيّ من بعض المسلمين لقال الله تعالى في آخر الآية "والله لا يهدي القوم الفاسقين" ، ولكنّ الله تعالى قال (لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) ، وهذا دليل أنّ التبليغ يخصّ الكافرين ولا يخصّ المسلمين ، ثانياً : لو صحّ ما قالوا لوجدنا الآية الّتي أمر الله النبيّ بها أن يجعل عليّاً خليفة من بعدهِ في سورة من سور القرآن ، ولكن لا توجد في القرآن آية تأمر النبيّ بذلك .

68 - (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ) من الدِين الصحيح (حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) يعني حتّى تقوم اليهود بتصليح التوراة ، والنصارى بتصليح الإنجيل ، أي بتصحيح ما غيّروا منهما وبدّلوه (وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ) من واجبات تؤدّونها وأحكام تُقيمونها في التوراة الأصلية والإنجيل الأصلي بما في ذلك الإيمان بخاتم النبيين محمّد بن عبد الله . ثمّ أخبر الله تعالى رسوله عن عنادهم وتعنّتهم فقال (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) في ذمّهم وإظهار أغلاطهم (طُغْيَانًا) عليك (وَكُفْرًا) بكتابك (فَلاَ تَأْسَ ) أي فلا تَحزنْ (عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) لكونهم لم يؤمنوا بالقرآن ولم يُصدّقوك .

69 - لَمّا نزل قوله تعالى في الآية السابقة (فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) ، قالت اليهود إذاً كلّ اليهود كافرون من زمن موسى إلى اليوم بزعمكم ، فنزلت هذه الآية (إِنَّ الّذينَ آمَنُواْ ) بك يا محمّد (وَالّذينَ هَادُواْ ) أي اليهود (وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى ) الّذينَ ماتوا قبل مجيئك يا محمّد (مَنْ آمَنَ ) منهم (بِاللّهِ) وحده ولم يُشرك بهِ شيئاً (وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يعني وآمنَ بيوم القيامة ، لأنّ الأرض تتمزّق في ذلك اليوم فلا يبقى بعد ذلك ليلٌ ولا نهار (وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من الشياطين في عالم البرزخ (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) على فراق الدنيا .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم