كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
63 - (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ ) أي في غفلةٍ تسبح في بحر الشهوات. فالغَمرة هي الماء الكثير الّذي يغمر الإنسان كالبُحيرة ، ومن ذلك قولُ الفرزدق:
ونَجَّى أبا الْمِنْهالِ ثانٍ كَأَنّهُ يَدا سابِحٍ في غَمْرَةٍ يَتَذَرَّعُ
(مِّنْ هَذَا ) الكتاب (وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ ) أي ولهم أعمال سيّئة غير الإشراك (هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) .
64 - (حَتَّى إِذَا ) ماتوا (أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ ) في عالم النفوس ، أي عذّبنا رؤساءهم المكذّبين لرُسُلنا (إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ) أي يصرخون ويتضرّعون . فقلنا لهم :
65 - (لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ ) أي لا ندفع العذاب عنكم لأنّكم مُستحقّون لهُ .
66 - (قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ ) أي تُقرأ عليكم في دار الدنيا (فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ ) أي ترجعون إلى الوراء مُنهزمين لئلا تسمعوها .
67 - (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ) أي مُستكبِرين بالحرَم على محمّد وأصحابه لا تسمعون لقولهِ (سَامِرًا) أي تتسامرون باللّيل وتتحدّثون في ذمّ محمّد وأصحابه. "السمَر" طول الحديث باللّيل بين الأحباب ، ومن ذلك قول حسّان :
فَلِوَى الخُرْبَةِ إذْ أهْلُنا كلَّ مُمْسًى سامِرٌ لاعِبُ
(تَهْجُرُونَ) أي تتركون القرآن والاستماع إلى ما فيه من موعظة ، فالهجران هو ترك الحبيب .
68 - (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ) يعني ألا يتدبّرون آيات القرآن الّتي هي قول الله ويفكّرون فيها فيهتدوا إلى الحقّ . ومِثلها في سورة محمد قوله تعالى {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ } يعني ألا يتدبّرون القرآن ، والفاء للتفكير . (أَمْ جَاءهُم ) من الدِّين (مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ ) يعني هل جاءَ محمّد بدين جديد يُخالف دين إبراهيم ونوح وغيرهما من الرُسُل فينكرون عليهِ دينهُ ولا يؤمنون بهِ؟
69 - (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ) محمّداً بالصدق والأمانة (فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) ألم يعرفوه صادقاً أميناً فلماذا يُنكرون عليه رسالتهُ؟
70 - (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ) أي بهِ ضَربٌ من الجنّ (بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ ) أي بدين الحقّ (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) لأنّهم يخافون على سُلطتهم ورئاستهم أن تذهب منهم .
71 - (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ ) بالشفاعة (لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ) أي الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض (وَمَن فِيهِنَّ ) من الأحياء . فالحقّ هو الله ، وأهواؤهم هي الشفاعة حيث جعلوها في الملائكة فقالوا أنّها تشفع لنا عند الله فيُعطينا الله ما نريد بشفاعتها . فردّ الله عليهم قولهم فقال تعالى : لو اتّبع الحقّ أهواءهم فيعطيهم ما يريدون بشفاعة الملائكة وغيرها من الأنبياء لفسدت الكواكب السيّارة ومن فيهنّ من الأحياء ، وذلك لأنّ الناس مُختلفون فيما بينهم باختلاف آرائهم وعقولهم وبطلباتهم فكلّ منهم يطلب من الله حُكماً ضدّ قبيلهِ وكلّ واحد منهم يريد أن يكون ملِكاً ورئيساً على بلاده ، فإذا أعطاهم الله طلباتهم فسدت الكواكب السيّارة ومن فيهنّ بسبب التضادُد والتنازُع فيما بين الناس ، ولذلك فإن الله لا يقبل شفاعة ملَك من الملائكة ولا نبيّ من الأنبياء في ذلك لئلا يختلّ النظام وتفسد الحياة (بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ ) يعني بل جئناهم بالقرآن الّذي هو موعظة لهم فيزيل عنهم الأوهام ويكشف لهم عن الحقيقة (فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ) يعني عن القرآن مُعرضون .
72 - (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا ) أي أجراً على تبليغ الرسالة فيثقل عليهم ولذلك لا يؤمنون (فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ) لك من خراجهم (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) فيُعطيك من فضلهِ ولا تحتاج إلى أموالهم .
73 - (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعني إلى طريق الحقّ فلماذا يمتنعون عن إجابتك واتّباع دِينك ؟
74 - (وَإِنَّ) المشركين (الّذينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ) أي عن طريق الحقّ مائلون يعني هم على جانب من الحقّ ، فالمنكب هو جانب الشيء ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الملك {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ } أي إمشوا في جوانبها . وفي تعاليم الجيش يُقال "نَكِّب سلاح" أي ضع سلاحك على منكبكَ .
75 - (وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ ) الّذي أصابهم وهو الجدب والمرض والذئاب الّتي أخذت تلاحقهم وتأكل أنعامهم (لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) أي لتمادَوا في ضلالهم يتردّدون ، ومن ذلك قول عنترة :
ألا يا عَبْلُ قَدْ زادَ التَّصابِي وَلَجَّ اليومَ قَوْمُكِ في عَذابِ
أي زادوا في عذابي .
76 - (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ ) أي بالجدب والمرض والضيق (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ ) أي فما تواضعوا ولا انقادوا (وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ) إليهِ بالدعاء ليكشف عنهم العذاب .
77 - (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ) أي عذاباً آخر أشدّ من الأوّل (إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) أي مُفلِسون يائسون من رحمة الله .
78 - (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ) أي قليل منكم يشكرون فالسمع اُذن النفس ، والبصر عينها والفؤاد قلبها ، والمعنى: الله الّذي جعل لنفوسكم آذاناً لتسمعوا وعيوناً لتبصروا وقلوباً لتفقهوا كما جعل هذه الأعضاء لأجسامكم ، لأنّ حواسّ الجسم ما هي إلا قوالب تكوّنت فيها حواسّ النفس .
79 - (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ ) أي نشرَكم وفرّقكم ، والشاهد على ذلك قول اُميّة بن أبي الصلت:
وأذْرَتْها حَوافِلُ مُعْصِفاتٌ كما تُذْرِي الْمُلَمْلِمَةُ الطَّحِيْنَا
وقال عنترة :
وَهيَ تَذْرِي مِنْ خِيفَةِ البُعْدِ دَمْعاً مُستَهِلاً بِلَوْعَةٍ وَسُهادِ
وقال الأخطل :
فأَرْسَلُوهُنَّ يُذْرِينَ التُّرابَ كما يُذْرِي سَبائِخَ قُطْنٍ نَدْفُ أوْتارِ
(وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) بعد موتكم ، يعني إلى العالم الأثيري تصيرون وفيهِ تُجمَعون فيُحاسبكم على أعمالكم ويعاقبكم على أفعالكم ، وهذه العِبارة من حُسن البلاغة إذ جاء في أوّلها النشر والتفريق وفي آخرها الجمع والتحقيق .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |