كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة التوبة من الآية( 68) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

68 - (وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ) يوم القيامة (هِيَ حَسْبُهُمْ ) أي كفايتهم (وَلَعَنَهُمُ اللّهُ ) أي أبعدهم عن رحمتهِ وأخزاهم (وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) أي دائم .

69 - مثَلكم أيُّها المنافقون (كَالّذينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً ) في الأبدان (وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُواْ ) هؤلاء (بِخَلاقِهِمْ) أي بنصيبهم (فَاسْتَمْتَعْتُم) أنتم أيضاً (بِخَلاَقِكُمْ) أي بنصيبكم من المحرّمات والشهوات وتركتم الطاعات (كَمَا اسْتَمْتَعَ الّذينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ ) في المحرّمات والشهوات (كَالَّذِي خَاضُواْ ) أي كخوضهم الّذي خاضوا ، فالخوض هو دخول الماء وعبور النهر مشياً على الأقدام ، ثمَّ اسْتُعِيرَ لدخول كلّ حادثة فيها خطر ، ومن ذلك قول عنترة :

                           وموْكبٍ خُضْتُ أعلاهُ وأسفَلَهُ      بالضَّرْبِ والطَّعْنِ بينَ البِيضِ والأسَلِ

وقال أيضاً :
                     ورَمَيْتُ مُهْرِي في العَجاجِ فخاضَهُ      والنارُ تَقْدَحُ من شِفارِ الأَنْصُلِ
                          خاضَ العَجاجَ مُحَجَّلاً حتّى إذا      شَهِدَ الوَقِيعَةَ عادَ غَيْرَ مُحَجَّلِ

(أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا ) فلا يُعوّضون بها (وَ) في (الآخِرَةِ) لا يُثابون عليها (وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) خسِروا الدُنيا والآخرة .

70 - (أَلَمْ يَأْتِهِمْ ) هؤلاء المنافقون (نَبَأُ الّذينَ مِن قَبْلِهِمْ ) كيف أهلكناهم بسبب كفرهم ونفاقهم فيعتبروا بأنبائهم ويتّعِظوا ويتركوا كفرهم ونفاقهم ، وهم (قَوْمِ نُوحٍ ) أهلكناهم بالغرق (وَعَادٍ) أهلكناهم بالريح الصَرصَر ، أي بالأعاصير ، وهم قوم هود (وَثَمُودَ) أهلكناهم بالزلزال وهم قوم صالح (وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ ) أهلكناهم بالطاعون (وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ ) إبن إبراهيم ، أي قبيلتهُ ورسولهم شُعيب بن تيما بن إسماعيل ، أهلكهم الله بالزلزال (وَالْمُؤْتَفِكَاتِ) أي المنقلِبات ، وهي أربعُ قُرى ، وهم قوم لوط (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ) أي بالأدلّة الواضحة والحُجج الدامغة فكذّبوا بها فأهلكناهم بذنبوهم (فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ) بما أصابهم من دمار (وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .

71 - ثمَّ أخذَ سُبحانهُ في وصف المؤمنين فقال (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) أي بعضهم أنصار بعضٍ (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ ) فيما أمرهم بهِ ونهاهم عنه (وَرَسُولَهُ) أي ويُطيعون الرسول في إرشاداتهِ وأوامرِه (أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ ) في الآخرة (إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ) في مُلكهِ ينتقم لهم من أعدائهم (حَكِيمٌ) فيما يفعل .

72 - (وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ ) في القرآن (وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ ) في الآخرة (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ) أي في الجنان السبع . العَدَّة والعدانة والعدن نظائر ، وكلُّها أسماء لأعداد خاصة ، "العَدَّة" بفتح العين أربعة في العدد ، و"العَدْن" سبعة ، و"العدانة" ما زاد على السبعة إلى العشرة ، وفي قاموس الفيروزآبادي قال : "العَدْن" من الزمان سبع سنين ، ومن ذلك قول الأعشى :

                           وإنْ يَسْتَضِيفُوا إلى حُكْمِهِ      يُضافُوا إلَى راجِحٍ قَدْ عَدَنْ

أي قد زاد سبعة أضعاف ، ومِمّا يؤيّد هذا ذكرها على الجمع فقال تعالى (جَنَّاتِ عَدْنٍ ) ولم يقل جنّة عَدْن (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ) يعني ورضاء الله عليهم أعظم عندهم من نعيم الجنان (ذَلِكَ) النعيم والرضوان (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) في الآخرة .

73 - (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ ) بالسيف (وَالْمُنَافِقِينَ) بالزجر والتأنيب (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) بالقول ولا تُعاملهم باللّين (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) في الآخرة (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) يكون مصيرهم .

74 - نزلت هذهِ الآية في أصحاب العقبة أرادوا أن يغتالوا رسول الله في العقبة عند رجوعهم من تبوك وعزموا أن يقطعوا أنساع راحلتهِ ثمّ ينخسوا به ناقته فيسقط من فوقها ، فأطلعهُ الله تعالى على ذلك ، فسارَ رسول الله في العقبة وعمّار وحُذيفة معهُ أحدهما يقود ناقتهُ والآخر يسوقها ، وأمر الناس كلَّهم بسلوك بطن الوادي ، وكان الّذينَ همّوا بقتلهِ إثني عشر رجلاً ، ولَمّا سألهم النبيّ عن ما قالوهُ فيهِ حلفوا بالله أنَّهم ما قالوا شيئاً فيه .

فنزل قوله تعالى (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ ) شيئاً يخصّ النبيّ ، ولكنّهم كاذبون (وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ ) أي كلمة الجحود والإنكار ، والمعنى : أنكروا نبوّة محمّد (وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ) يعني أنكروا نبوّتهُ بعد أن اعترفوا له بالنبوّة (وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ ) يعني همّوا بقتل النبيّ ليلة العقبة والتنفير بناقتهِ ولكن لم ينالوا ما أرادوا لأنَّ الله أخبرهُ بذلك فأخذ الحذر منهم (وَمَا نَقَمُواْ ) من رسولنا (إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ) يعني نقموا من محمّد لأنَّ الله أغناهم ومحمّد أعطاهم من الغنائم فطغَوا ، والمعنى : أنَّهم أبدلوا الحسنة بالسيئة والنعمة بالنُكران (فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا ) عن الحقّ وعن الطريق المستقيم (يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا ) بالمرض والفقر والذلّ (وَالآخِرَةِ) بعذاب النار (وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ ) يتولّى أمرهم ومُساعدَتهم (وَلاَ نَصِيرٍ ) ينصرهم وينجيهم من العذاب .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم