كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الحجر من الآية( 72) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

72 - (لَعَمْرُكَ) هذه كلمة مُستعملة عند العرب ، وأصلها لك العُمر المديد ، وهذا كدعاء لهُ بالعُمر المديد ، ثمّ اختصروها فقالوا لعمرُكَ ، ومن ذلك قول الخنساء :

                            لَعَمري وما عُمري عليّ بهيِّنٍ      لَنِعمَ الفَتَى أرْدَيْتُمُ آلَ خَثْعَمَا

وقال الأعشى :
                           إنّي لعمرُ الّذِي خَطَّتْ مَناسِكُها      تَخْدِي وسِيقَ إليهِ الباقِرُ الغُيُلُ
                            لَئِنْ قَتَلْتُمْ عَمِيداً لَمْ يَكُنْ صَدَداً      لَنَقتُلَنَّ مِثْلَهُ مِنْكُمْ فنَمْتَثِلُ

وقال النابغة :
                             فَلا لَعَمْرُ الَّذِي مَسَّحْتُ كَعْبَتَهُ      وَما هُرِيقَ عَلَى الأَنْصابِ مِنْ جَسَدِ

(إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) أي لفي غفلتهم يتردّدون ، فرفعَ أحد الملائكة قبضة من التراب فضربَ بهِ وجوه القوم فعميت عيونهم ورجعوا إلى أهلهم خائبين .

73 - (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ) يعني أخذوا يتصايحون ويصرخون حينَ سقطت جدران بيوتهم فوق رُؤوسِهم ، وكان ذلك الحادث وقت شروق الشمس ، يعني صباحاً .

74 - (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ) يعني تلايمت منازلهم وانهارت فوق رؤوسهم وماتوا تحت الأنقاض (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ ) يعني على أهل تلك القُرى الأربع مَن سَلِمَ منهم من الزلزال (حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ) فماتوا ، أي أحجار رسوبيّة ، وقد سبق تفسير كلمة " سِجِّيل" في سورة هود أيضاً .

75 - (إِنَّ فِي ذَلِكَ ) الحادث (لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ) أي لدلالات واضحة على قُدرة الله في الإهلاك والتدمير لمن يُفكّر فيهم ويرى آثارهم أو يسمع أخبارهم فيتّعظ ، فالمتوسّمين هم الّذينَ يعرفون الأشياء بالوسام أي بالآثار والعلائم ، ومن ذلك قول حسّان بن ثابت :

                                لِكُلِّ أُناسٍ مَيْسَمٌ يَعْرِفُونَهُ === وَمَيسَمُنا فينا القَوافِي الأَوابِدُ
                     متى ما نَسِمْ لا يُنْكِر الناسُ وَسْمَنا      وَنَعْرِفْ بِهِ الْمَجْهُولَ مِمَّنْ نُكَايِد

وقال طريف بن تميم العنبري حين جاء حصيصة يتفرّس فيهِ في سوق عُكاظ ، وكان طريف عليهِ بُرقع لئلاّ يعرفونهُ لأنّه قتل أبا حصيصة فلمّا أخذ يتفرّس فيهِ ألقى طريف بُرقعهُ وقال :

                             أوْ كُلَّمَا وَرَدَتْ عُكَاظَ قبيلَةٌ === بَعَثُوا إليَّ رسُولَهُمْ يتوَسّمُ
                               فتَوَسّمُونِي إنَّني أنَا ذَاكُمُ      شاكٍ سِلاحِي في الحوادِثِ مُعْلِمُ

76 - (وَإِنَّهَا) أي القُرى الّتي تهدّمت بالزلزال وعددها أربع (لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ ) أي في طريق مسلوك تسلكهُ الناس على الدوام فيرَون آثارهم ، وموقعها قرب البحر الميّت من فلسطين .

77 - (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ ) أي علامة واضحة للمُصدّقين بها على قدرة الله بالهلاك والدمار في ساعةٍ واحدة بل أقلّ منها .

78 - ثمّ بيّنَ سبحانهُ واقعة اُخرى فقال (وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ ) بتكذيبهم رسولنا شعيباً ، وكانوا يسكنون في صحراء سيناء جنوب فلسطين ، والأيك شجر ليس فيهِ ثمر كالأثل والسرو والأرْز وغير ذلك ، والشاهد على ذلك قول اُميّة :

                            كَبُكَا الْحَمَامِ عَلَى فُرُو === عِ الْأَيْكِ فِي الْغُصُنِ الْجَوَانِحْ

وقال عنترة :
                       أفَمِنْ بكاءِ حمامةٍ في أيكةٍ      ذرفتْ دُمُوعُكَ فوْقَ ظَهْرِ الْمِحْمَلِ

وقالت الخنساء :
                  تذكّرتُ صَخْراً إذْ تَغَنَّتْ حَمَامَةٌ      هَتُوفٌ علَى غُصْنٍ من الأيْكِ تَسْجَعُ


وتسمّى البُقعة الّتي فيها شجر الأيك "الأيكة" أيضاً ، والأيكة معجزة شعيب ، وقد سبق الكلام عنها في سورة الأعراف في آية 85 عند قوله تعالى {قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } .

79 - (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ) فأهلكناهم بالزلزال (وَإِنَّهُمَا) يعني قوم لوط وأصحابُ الأيكة (لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ ) أي لفي كتابٍ مُبين سبق ذكرهما فيهِ ، وهو التوراة في سِفر التكوين ، وإنّما سُمّيَ التوراة إماماً لأنّه جاء قبل القرآن . ثمّ ذكر سبحانهُ حادثة اُخرى فقال :

80 - (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ ) يعني أصحاب البيوت الحجريّة (الْمُرْسَلِينَ) وهم قبيلة ثمود قوم صالح .

81 - (وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا ) أي بيّناتٍ لنا (فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ) لا ينقادون للحقّ .

82 - (وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ ) أحجاراً ويبنون بها (بُيُوتًا آمِنِينَ ) من تخريبها بالأمطار والسيول ، فزلزلنا بهم الأرض .

83 - (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ) يعني وقت الصباح أخذوا يتصايحون ويصرخون حين تهدّمت ديارهم فوق رُؤوسِهم فتلايمت بيوتهم فوق رؤوسهم وماتوا .

84 - (فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) من مال وبيوت ، أي لم تدفع عنهم بيوتهم الحجريّة شيئاً من العذاب ولا أموالهم بل كانت بيوتهم سبباً لموتهم وهلاكهم .

85 - (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) أي الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض (وَمَا بَيْنَهُمَا ) يريد بذلك الأقمار والشهُب والنيازك ، لأنّها واقعة ما بين الكواكب السيّارة (إِلاَّ بِالْحَقِّ ) يعني إلاّ بالوعد الحقّ ، وقد سبق تفسير مِثلها في سورة الأنعام (وَإِنَّ السَّاعَةَ ) أي ساعة خرابها وهو يوم القيامة (لآتِيَةٌ) فنعاقبهم على أفعالهم (فَاصْفَحِ) يا محمّد عن من أسلم من المشركين ولا تؤاخذهم عن الماضي (الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) بأن تُعاملهم بالإحسان بدل الإساءة .

86 - (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) فخلقَ السماوات والأرض بحكمةٍ وإتقانٍ فجعلها تسبح في الفضاء وتدور حول الشمس ولا تسقط في الفضاء وخلقَ فيهما أنواع المخلوقات من حيوان ونبات وطيور وحشرات فتبارك الله أحسنُ الخالِقين .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم