كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
74 - (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ) يعني واذكر لهم قِصّةَ إبراهيم ليفكّروا فيها ويتدبّروا في شأنها كما فكّرَ إبراهيم فاهتدَى إلى الصواب ، إذ قال (لأَبِيهِ آزَرَ ) واسمهُ بالعبريّة "تارَحَ " ومعناهُ آزرَ أباه ، لأنّ أباهُ لم يكن لهُ ولد فلمّا وُلِدَ إبراهيم قالوا تارَحَ أي آزرَ أباهُ (أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ) تعبدها من دون الله (إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ ) عن الحقّ (مُّبِينٍ) .
75 - (وَكَذَلِكَ) أي كما أشعرناهُ بخطأ أبيهِ كذلك (نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أصلها مُلك السماواتِ والأرض ، والواو يُشير إلى الكثرة ، تقول للواحد جاءَ ، وللجماعة جاؤوا ، بزيادة الواو ، والتاء للمخاطَب والمالِك ، تقول ملكتُ وملكتَ ، فالتاء الأولى تشير إلى المالِك والثانية تشير إلى المخاطَب ، والمعنى : نُريهِ كثرة مُلكنا للكواكب السيّارة والأرض من جملتها ليفكّر ويعقل (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) بآيات الله وقدرتهِ .
76 - (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللّيل ) أي فلمّا ضمّهُ اللّيل وآواهُ ، ومن ذلك قول الأعشى :
وهالِكِ أهْلٍ يُجِنُّونَهُ كآخَرَ في قَفْرَةٍ لَمْ يُجَنْ
وقالت الخنساء :
سَقَى الإِلَهُ ضَرِيحًا جَنَّ أَعْظُمَهُ وَرُوحَهُ بِغَزِيرِ الْمُزْنِ هَطَّـالِ
(رَأَى كَوْكَبًا ) هو كوكب الزُّهرة ، لأنّهُ أوّل ما يبدو من النجوم مساءً هو كوكب الزهرة (قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ ) الكوكب ، أي فلمّا غابَ عن الأنظار ، ومن ذلك قول امرئ القيس :
أَيَخفَى لَنَا إِن كانَ في اللّيل دفنُهُ فَقُلنَ وهَل يَخفَى الهِلَالُ إِذَا أَفَلْ
يعني إذا غابَ عنّا اليوم سيظهر في الغد . وقال كعب بن مالك :
فَتَغَيّرَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لِفَقْدِهِ وَالشّمْسُ قَدْ كَسَفَتْ وَكَادَتْ تَأْفِلُ
(قَالَ) إبراهيم (لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ) .
77 - (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا ) في السماء (قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ ) إبراهيم (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي ) إلى رُشدي (لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) عن طريق الصواب .
78 - (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً ) من المشرق (قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ ) من القمر ومن الكواكب (فَلَمَّا أَفَلَتْ ) الشمس (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) بالله من أصنام .
79 - (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) أي شقّقها فجعلها تسعة كواكب بعدما كانت واحدة ، وقد سبق تفسيرها في آية 14 (حَنِيفًا) أي موحّداً (وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) الّذينَ يُشركون غيره في عبادتهِ . لأنّ إبراهيم لَمّا نشأ وبلغ الرُّشد رأى قومهُ يعبدون الأصنام فلم يُعجبهُ ذلك لأنّها أحجار لا تنفع ولا تضرّ ، فأخذ يفكّر وينظر إلى السماء لعلّهُ يجد خالقهُ فيعبدهُ ، وإنّما وجّهَ نظرهُ إلى السماء لأنّهم قالوا في السماء إلاهٌ واحد ، وفي الأرض آلهةٌ كثيرة ، فلمّا لم تعجبهُ آلهة الأرض صار ينظر إلى السماء يُراقب أجرامها ، ولَمّا رآها تأفل وتغيب عن الأنظار قال في نفسهِ يجب أن تكون صِفات الخالق ثابتة لا تتغيّر وأن يكون موجوداً على الدوام لا يزول ، ثمّ خطرَ لهُ أن يسأل خالقهُ ليرشدهُ هو إلى نفسهِ ليعرفهُ فيعبدهُ ، فقال (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) فأرسل اللهُ لهُ جبرائيل فقال مُنادياً : "سُبّوحٌ قُدّوس ربّ الملائكةِ والروح" ، فاهتدى حينئذٍ إبراهيم إلى رُشدهِ وقال ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .
80 - (وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ ) أي خاصموهُ وجادلوه في شأن أصنامهم وخوّفوهُ في ترك عبادتها (قَالَ) إبراهيم (أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ ) إلى طريق الحقّ بالإيحاء وبالأدلّة العقليّة والآيات الكونيّة (وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ) إنْ كسّرتُها ، يعني لا أخاف من الأصنام ولا منكم أن تقتلوني أو تسجنوني أو تضربوني (إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا ) من ذلك لمصلحةٍ هو يعلمها (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ) فهو أعلمُ منّي ومنكم بعواقب الاُمور فإن شاء قتلي أو سجني على أيديكم فلا مانع من ذلك (أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ) يعني أفلا تتّعظون وتتركون عبادة الأصنام ؟
81 - (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ ) وهيَ أحجار منحوتة لا تضرّ ولا تنفع (وَلاَ تَخَافُونَ ) الله خالقكم ورازقكم والّذي بيدهِ موتكم وحياتكم (أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ) أي لم يُنزِّل أمراً بذلك ولا كتاباً ولا بياناً يأمركم فيهِ بعبادتها ، بل أمركم بعبادتهِ وحدهُ وأن لا تُشركوا بعبادتهِ شيئاً من مخلوقاتهِ (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ ) أنتم أم أنا (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) العاقبة ؟
82 - ثمّ أكّد سبحانهُ قول إبراهيم بأنّ الأمن للمؤمنين وليس للمشركين فقال (الّذينَ آمَنُواْ ) باللهِ ورسولهِ (وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ) أي لم يخلطوا إيمانهم بشركٍ ، ومن ذلك قول لقمان لابنهِ { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ، (أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ ) من العذاب (وَهُم مُّهْتَدُونَ ) إلى طريق الحقّ .
83 - (وَتِلْكَ) الحُجّة الّتي احتجّ بها إبراهيم (حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ ) يحتجّ بها (عَلَى قَوْمِهِ ) أي علّمناها إبراهيم بالإيحاء (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء ) من المؤمنين بالعِلم والحِكمةِ (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ ) في صُنعهِ (عَلِيمٌ) بمن هو أهلٌ للحِكمة فيرفعهُ بها .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |