كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
78 - (قَالُواْ) إخوة يوسف (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ ) وهذه كانت كناية الوزراء ، كما يكنّون اليوم الوزير بصاحب السعادة وصاحب المعالي وغير ذلك من الكنايات التفخيميّة (إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا ) في السنّ (فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ) أي بدلاً عنهُ (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) إلينا في الكيل والضيافة وردّ البضاعة ، فكما أحسنت إلينا في ذلك فأحسنْ إلينا اليوم وخذ أحدنا مكانهُ .
79 - (قَالَ) يوسف (مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ ) لو فعلنا كما طلبتم (إِنَّـآ إِذًا لَّظَالِمُونَ ) في حقّ البريء .
80 - (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ ) يعني فلمّا يئسوا منه أن يُجيبهم إلى طلبتهم (خَلَصُواْ نَجِيًّا ) أي اعتزلوا عن الناس وأخذوا يتناجَون فيما بينهم ويتشاورون هل يذهبون إلى أبيهم بغير بنيامين أم يُقيمون في مصر ، وما هو الحلّ في هذه المشكِلة (قَالَ كَبِيرُهُمْ ) في السنّ وهو راؤوبين (أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ ) بأن نُعيد بنيامين إليهِ فكيف نرجع وحدنا ونترك بنيامين في مصر (وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي ) حقّ (يُوسُفَ) يعني ما قصّرتم في حقّهِ فكنتم قد عاهدتم أباكم أن تُعيدوهُ إليهِ فنقضتم العهد وألقيتموهُ في الجُبّ . فالتفريط معناهُ التقصير والتضييع ، والشاهد على ذلك قول لبيد :
أقْضِي اللُّبانةَ لا أفرِّطُ رِيبةً أو أنْ يَلومَ بِحاجةٍ لُوَّامُهَا
وقال جرير :
آلُ المهَلَّبِ فَرَّطُوا في دِينِهِمْ وطَغَوا كما فَعَلتْ ثمودُ فبَارُوا
(فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ ) يعني لا أخرجُ من مصرَ ، ومن ذلك قول الأعشى :
أقُولُ لَها حِينَ جَدَّ الرحِيلُ أَبْرَحْتِ رَبّاً وأَبْرَحْتِ جَارَا
يعني أخرجتِ معكِ سيّداً وأخرجتِ جاراً حين خرجتِ . وقالت الخنساء :
دقَّ عَظْمِي وهاضَ منّي جَناحِي هُلْكُ صَخْرٍ فما أُطيقُ براحَا
يعني فما أطيقُ القيام من مكاني . (حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي ) في الرجوع إلى أرض كنعان (أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي ) بما يُريد وما يُسبّب في نجاة بنيامين (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) فقال راؤوبين أنا أبقى هُنا وأنتم إحملوا الطعام إلى أهلكم وأخبروا أباكم بالحادثة . وذلك قوله :
81 - (ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ) كأس الملِك (وَمَا شَهِدْنَا ) بأعيننا (إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا ) يعني ما رأيناهُ لَمّا سرق ولكن رأينا الكأس حين أخرجوهُ من متاعهِ (وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ) يعني وما كنّا نحفظ بنيامين وقتَ غيابهِ عنّا إذا ذهبَ لقضاء حاجةٍ أو في اللّيل وقت المنام أو وقت دخوله على العزيز فينفرد بهِ ، وإنّما كنّا نحفظهُ وقت أن يسير معنا ويجلس معنا ، فلا نعلم ماذا صنعَ وقت غيابه وحين سرق الكأس لكي نمنعهُ عن ذلك .
82 - (وَاسْأَلِ) أهل (الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا ) يعني أهل مصر الّذينَ أخرجوا الكأس من متاعهِ ، والمعنى : إبعث اُناساً يسألونهم عن ذلك ويتحقّقون هل هو صحيح (وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ) يعني واسأل أهل القافلة الّتي أقبلنا معهم وهم كنعانيّون فيخبرونك عن الحادثة (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ) في قولنا .
83 - (قَالَ) يعقوب لأولادهِ حين كلّموهُ بذلك (بَلْ سَوَّلَتْ ) أي زيّنت وحسّنت (لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ) في بنيامين كما سوّلت لكم في أخيهِ يوسف (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ) يوسف وبنيامين وراؤوبين (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ ) بحالي (الْحَكِيمُ) في مصالح العباد .
84 - (وَتَوَلَّى) يعقوب (عَنْهُمْ) يعني أعرضَ عن أولادهِ واعتزلَ يبكي على المفقودين منهم (وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ ) وهذا مثَل يُضرَب بين الناس ، فيقول قائلهم "لم أجدْهُ حتّى ابيضّت عيناي" ، (فَهُوَ كَظِيمٌ ) يعني يكتمُ حُزنهُ في قلبهِ ولا يشكو لأحدٍ من الناس .
85 - (قَالُواْ) أولاده (تَالله تَفْتَأُ ) أي لا تزال ، ومن ذلك قول أوس بن حجر يصفُ حرباً :
فَمَا فَتِئَتْ خَيْلٌ تَثُوبَ وَتَدَّعِي وَيَلْحَقُ مِنْهَا لاحِقٌ وتَقَطَّعُ
وقال الأعشى :
تَمَنَّوْكَ بِالغَيْبِ ما يَفْتَئُونَ يَبْنُونَ في كلِّ ماءٍ جَدِيرَا
فقول الشاعر "ما يَفْتَئُونَ " يعني ما يتركون البناء بل مداومون عليهِ ، وقال الآخر :
لَعَمْرُكَ ما تَفْتَأُ تَذْكُرُ خالِداً وقَدْ غالَهُ ما غالَ تُبّعَ مِنْ قبلُ
(تَذْكُرُ يُوسُفَ ) وتبكي عليه (حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا ) يعني حتّى تشرف على الموت (أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) أي من الميتين ، فالحرَض الاقتراب من الموت بسبب شِدّة المرض أو بسبب مُصيبة تُصيب الإنسان ، وفي ذلك قال العرجي :
إنِّـي امْـرُؤٌ لَـجّ بي حُبٌ فأَحْرَضَني حَـتّى بَلِيـتُ وحَـتّى شَـفَّني السّـقَمُ
وقال الطِرمّاح :
مَنْ يَرُمْ جَمْعَهم يَجِدْهم مَرَ === اجِيــحَ حُماةً للعُزّلِ الأَحْراضِ
يعني للمرضَى الّذينَ عزلوهم عن الناس . وقال امرؤ القيس :
أَرَى الْمَرْءَ ذَا الأزْوادِ يُصْبِحُ مُحْرَضاً كَإحْراضِ بَكْرٍ في الدِّيارِ مَرِيضِ
![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |