كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
78 - (قَالَ) العالِم (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ) أي هذا الاعتراض الثالث سبب الفراق بيني وبينك (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ) أي ساُخبركَ عن نتائج أعمالي الّتي أنكرتها عليّ ولم تستطع الصبر على رؤيتها .
79 - (أَمَّا السَّفِينَةُ ) الّتي خرقتُها (فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ ) بها (فِي الْبَحْرِ ) باُجرة ويعيشون عليها (فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا ) لئلاّ يأخذها الملِك (وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ ) صحيحةٍ (غَصْبًا) .
80 - (وَأَمَّا الْغُلَامُ ) الّذي قتلتُهُ (فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ ) وكان الغلام كافراً وكنت مأموراً بهذا من الله تعالى (فَخَشِينَا) نحن الملائكة الموكّلين بشؤون المؤمنين (أَن يُرْهِقَهُمَا ) أي يُكلّفهما (طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) يعني فخشينا أن يُرهِق الغلام أبويه إذا كبِر ويؤذيهما بكفره وطغيانهِ .
81 - (فَأَرَدْنَا) نحن الملائكة (أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ) ولداً (خَيْرًا مِّنْهُ ) أي خيراً من الّذي قتلهُ (زَكَاةً) للنفس ، يعني ولداً صالحاً غير فاسق (وَأَقْرَبَ رُحْمًا ) يعني وأقرب إلى الأب من أرحامهِ . فتزوّج أبوهُ زوجةً اُخرى من أقاربه فولدت له ولداً فنشأ نشأةً حسنة فصار رجلاً صالحاً يدعو إلى الله ويعبدهُ .
82 - (وَأَمَّا الْجِدَارُ ) الّذي رمّمتُهُ وبنَيتُهُ (فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ) الّتي بنينا الجدار فيها (وَكَانَ تَحْتَهُ ) أي تحت الجدار (كَنزٌ لَّهُمَا ) قد دفنهُ أبوهما (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ) وكان ترميمي للجدار (رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ) بهما (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) أي وما فعلتُ ذلك بإرادتي وإنّما فعلتهُ بأمرٍ من الله تعالى (ذَلِكَ) الّذي قلتهُ لك (تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ) .
83 - (وَيَسْأَلُونَكَ ) النصارى (عَنْ) إسكندر الملقّب بِ (ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا ) أي سأقصّ عليكم من أنبائهِ خبراً وقصّةً .
84 - (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ) بأن جعلناهُ مَلِكاً وقائداً (وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ) أي هيّأنا لهُ أسباب الظفر في فتوحاتهِ وحروبهِ .
85 - (فَأَتْبَعَ سَبَبًا ) أي فاتّبعَ إسكندر تلك الأسباب الّتي هيّأناها لهُ وسارَ عليها فانتصر وظفر بالكافرين وفتح البلاد .
86 - (حَتَّى إِذَا بَلَغَ ) في سيره (مَغْرِبَ الشَّمْسِ ) أي جهة غروب الشمس ، يعني في الجهة الّتي تقع غرب بلادهِ مكدونية .
خرج إسكندر من مقدونية إلى تركية ثمّ إلى مصر فاتحاً ، وبنَى هناك مدينة الأسكندريّة ، ثمّ واصل سفره إلى السودان ، (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي ) مراقبةِ (عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) أي وجد الشمس تغرب في مراقبةِ امرأةٍ سوداء وهي ملكتهم ، والمعنى : وجدها تغرب على قوم يُراقبون الشمس عند غروبها فيسجدون لها ولهم ملكةٌ سوداء تؤمّهم فيقلّدونها واسمها كنداكة ، لأنّ إسكندر لَمّا وصل السودان وجد سُكّان ذلك القطر يعبدون الشمس ، وذلك أنّهم يجتمعون في يوم عيدهم خارج المدينة وقت غروبها وهم ينظرون إليها ويُرتّلون الأناشيد الدينيّة فإذا كادت تختفي عن الأنظار سجدوا لها بأجمعهم . فالعين معناها المراقَبة ، يُقال "زيدٌ في عيني" أي في مراقبتي ، قال الله تعالى في سورة القمر {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ } ، وقال تعالى في سورة الطور {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } ، ومن ذلك قول الحاجري :
أخافُ عَلَيْهَا مِنْ عُيُونِ وُشاتِهَا وآخُذُ عَنْهَا حَيْنَ تُقْبِلُ جانِبَا
والمعنى أخاف عليها من مراقبة وشاتها ، وقال عمرو بن كلثوم :
تُرِيْكَ إذا دَخَلْتَ عَلَى خَلاءٍ وَقَدْ أَمِنَتْ عُيُونَ الكاشِحِينَا
وقال أيضاً :
بِيَوْمِ كَرِيهَةٍ ضَرْباً وطَعْناً أَقَرَّ بِهِ مَوالِيكِ العُيُونَا
و"الحمئة" معناها السوداء ، يُقال "تحمّم الجدار" أي صار أسود من الدخان ، ويُقال "حمّمَ الغُلام" أي بدت لحيتهُ ، والحِمَم الرماد والفحم وكلّ ما احترق بالنار ، وقوله (وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ) يعني وجد إسكندر عند المرأة السوداء قوماً يفعلون كفعلها ويُقلّدونها في سجودها للشمس .
(قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ) وهذه كنية إسكندر (إِمَّا أَن تُعَذِّبَ ) هؤلاء القوم الّذينَ يعبدون الشمس وذلك إن لم يؤمنوا (وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ) إذا آمَنوا .
87 - (قَالَ) إسكندر (أَمَّا مَن ظَلَمَ ) نفسه بالشرك ولم يؤمن (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ) بالضرب والسجن في الدنيا (ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ ) بعد موتهِ (فَيُعَذِّبُهُ) في الآخرةِ (عَذَابًا نُّكْرًا ) أي عذاباً منكراً غير معهود .
88 - (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ ) في الآخرة (جَزَاءً الْحُسْنَى ) أي حُسن الجزاء وهو نعيم الجنّة (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ) . قلتُ فيما سبق أنّ كلمة " أمر" كناية الملائكة ، فيكون المعنى : فستحاسبهُ ملائكتنا حساباً يسيراً ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الانشقاق {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا . وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا } .
89 - (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ) ثمّ أتبعَ سفره وفتوحاته نحو الشرق بما يسّرنا لهُ من أسباب الظفر والنجاح بعد أن مهّد جانب الغرب ، فتابع سفره وفتوحاته إلى سوريا والعراق وبنَى مدينة الإسكندريّة بين بغداد وبابل ، ثمّ تابع سفره إلى إيران والهند وهناك بنَى السدّ لمنع يأجوج ومأجوج قرب مدينة دربند . راجِع كتاب "الإسكندر المقدوني" تأليف هارولد لامب وترجمة الدكتور عبد الجبّار المطّلبي ومحمّد ناصر الصانع صفحة 269 .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |