كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأنعام من الآية( 78) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

78 - (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً ) من المشرق (قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ ) من القمر ومن الكواكب (فَلَمَّا أَفَلَتْ ) الشمس (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) بالله من أصنام .

79 - (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) أي شقّقها فجعلها تسعة كواكب بعدما كانت واحدة ، وقد سبق تفسيرها في آية 14 (حَنِيفًا) أي موحّداً (وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) الّذينَ يُشركون غيره في عبادتهِ . لأنّ إبراهيم لَمّا نشأ وبلغ الرُّشد رأى قومهُ يعبدون الأصنام فلم يُعجبهُ ذلك لأنّها أحجار لا تنفع ولا تضرّ ، فأخذ يفكّر وينظر إلى السماء لعلّهُ يجد خالقهُ فيعبدهُ ، وإنّما وجّهَ نظرهُ إلى السماء لأنّهم قالوا في السماء إلاهٌ واحد ، وفي الأرض آلهةٌ كثيرة ، فلمّا لم تعجبهُ آلهة الأرض صار ينظر إلى السماء يُراقب أجرامها ، ولَمّا رآها تأفل وتغيب عن الأنظار قال في نفسهِ يجب أن تكون صِفات الخالق ثابتة لا تتغيّر وأن يكون موجوداً على الدوام لا يزول ، ثمّ خطرَ لهُ أن يسأل خالقهُ ليرشدهُ هو إلى نفسهِ ليعرفهُ فيعبدهُ ، فقال (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) فأرسل اللهُ لهُ جبرائيل فقال مُنادياً : "سُبّوحٌ قُدّوس ربّ الملائكةِ والروح" ، فاهتدى حينئذٍ إبراهيم إلى رُشدهِ وقال ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .

80 - (وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ ) أي خاصموهُ وجادلوه في شأن أصنامهم وخوّفوهُ في ترك عبادتها (قَالَ) إبراهيم (أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ ) إلى طريق الحقّ بالإيحاء وبالأدلّة العقليّة والآيات الكونيّة (وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ) إنْ كسّرتُها ، يعني لا أخاف من الأصنام ولا منكم أن تقتلوني أو تسجنوني أو تضربوني (إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا ) من ذلك لمصلحةٍ هو يعلمها (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ) فهو أعلمُ منّي ومنكم بعواقب الاُمور فإن شاء قتلي أو سجني على أيديكم فلا مانع من ذلك (أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ) يعني أفلا تتّعظون وتتركون عبادة الأصنام ؟

81 - (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ ) وهيَ أحجار منحوتة لا تضرّ ولا تنفع (وَلاَ تَخَافُونَ ) الله خالقكم ورازقكم والّذي بيدهِ موتكم وحياتكم (أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ) أي لم يُنزِّل أمراً بذلك ولا كتاباً ولا بياناً يأمركم فيهِ بعبادتها ، بل أمركم بعبادتهِ وحدهُ وأن لا تُشركوا بعبادتهِ شيئاً من مخلوقاتهِ (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ ) أنتم أم أنا (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) العاقبة ؟

82 - ثمّ أكّد سبحانهُ قول إبراهيم بأنّ الأمن للمؤمنين وليس للمشركين فقال (الّذينَ آمَنُواْ ) باللهِ ورسولهِ (وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ) أي لم يخلطوا إيمانهم بشركٍ ، ومن ذلك قول لقمان لابنهِ { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ، (أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ ) من العذاب (وَهُم مُّهْتَدُونَ ) إلى طريق الحقّ .

83 - (وَتِلْكَ) الحُجّة الّتي احتجّ بها إبراهيم (حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ ) يحتجّ بها (عَلَى قَوْمِهِ ) أي علّمناها إبراهيم بالإيحاء (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء ) من المؤمنين بالعِلم والحِكمةِ (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ ) في صُنعهِ (عَلِيمٌ) بمن هو أهلٌ للحِكمة فيرفعهُ بها .

84 - (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ ) من زوجته سارة وإسماعيل من زوجته هاجر (وَيَعْقُوبَ) حفيده وهبنا لهُ إثني عشر سِبطاً (كُلاًّ) منهم (هَدَيْنَا) إلى طريق الخير والصلاح (وَنُوحًا) الّذي هو من أجداد إبراهيم (هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ) أي من قبل إبراهيم (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ ) أي من ذرّية إبراهيم (دَاوُودَ) إبن يسّي هدينا (وَسُليمان) إبن داوُد هدينا (وَأَيُّوبَ) إبن موص بن ناحور بن يوباب الملِك بن زارح بن رعوئيل بن عيسو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل هدينا أيضاً إلى طريق الخير والصلاح وكان يسكن اليمن وذلك في زمن موسى قبل خروج بني إسرائيل من مصر ، راجع سِفر التكوين ، الإصحاح السادس والثلاثين من مجموعة التوراة . (وَيُوسُفَ) إبن يعقوب هدينا (وَمُوسَى) إبن عمران واُمّه يوخبِذ (وَهَارُونَ) أخا موسى هدينا ، وكان أكبر من موسى بسنة واحدة ، فهؤلاء من ذُرّية إبراهيم كانوا مُحسنين مع الناس فهداهم الله إلى طريق الصلاح وزادهم من الخيرات في الدنيا وآتاهم من العِلم والحكمة (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) من المؤمنين بكثرة الخيرات في الدنيا وبالغفران والجنّة في الآخرة . وإنّما قدّم داوُد وسُليمان بالذكر على أيّوب ويوسف وموسى وهارون ، لأنّ الخيرات الّتي أصابتهما كانت أكثر مِمّن كان قبلهما ، فجاء ذكر داوُد وسُليمان بكثرة الخيرات على من ذكرهم بعدهما لا بالمنزلة والأفضلية ولا بالأسبقية .

85 - ثمّ ذكرَ سُبحانهُ الزاهدين في الدنيا من الأنبياء الّذينَ هم من ذرّيةِ إبراهيم فقال تعالى (وَزَكَرِيَّا) بن بركيا بن عدّو ، وكان في زمن الملك داريوس (وَيَحْيَى) بن زكريّا (وَعِيسَى) بن مريم (وَإِلْيَاسَ) هو النبيّ أشعيا ، وإنّما سُمّيَ إلياس لأنّهُ آيسَ من إيمانِ قومه اليهود ومن صلاحهم مهما دعاهم إلى نبذ الأصنام وترك الإشراك فلم يسمعوا لقولهِ ولم يعملوا بأمره حتّى آيس منهم ، وله سِفر خاصّ في مجموعة التوراة بِاسْمِ أشعيا (كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ) .

86 - ثمّ ذكر المهاجرين منهم من بلدٍ إلى بلدٍ آخر فقال تعالى (وَإِسْمَاعِيلَ) بن إبراهيم وقد نقله أبوهُ إلى مكة مع اُمّهِ هاجَر وهو طفلٌ صغير (وَالْيَسَعَ) هو اليشع بن شافاط وصيّ النبيّ إيليّا وقد هاجرَ من جبل الكرمل إلى السامرة ، وقصّتهُ مذكورة في سِفر الملوك الثاني في الإصحاح الثاني وما بعده في مجموعة التوراة (وَيُونُسَ) هو يونان بن أمتاي وقد هاجر من أورشليم إلى نينوى ، ولهُ سِفر خاصّ في مجموعة التوراة بِاسْمِ يونان (وَلُوطًا) هو إبن هاران إبن أخي إبراهيم ، وقد هاجر مع إبراهيم من العراق إلى أرض كنعان (وَكُلاًّ) من هؤلاء الأنبياء الّذينَ سبق ذكرهم (فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ) أي أعطيناهم زيادة من الكرامةِ على غيرهم من الناس .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم