كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
79 - كان النبيّ يملك جُبّة فأتاهُ رجل يلتمس رداءً فخلع النبيُّ جُبّته وأعطاها للرجل فأصاب النبيّ بردٌ ، وكان يوماً عندهُ ثلاثة أرغفة من الخُبز فجاءه سائل فأعطاه الخبز كلّه وبقي مع أهله بلا غذاء فأصابتهُ خصاصة ، فنزلت هذه الآية (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ ) أي من نعمةٍ (فَمِنَ اللّهِ ) أنعمَ بِها عليك (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ ) يعني من برد ومجاعة (فَمِن نَّفْسِكَ ) لأنّكَ أعطيتَ جُبّتك ولم يكن عندك غيرها فأصابك البرد ، ثمّ أعطيت خبزك كلّه للسائل فأصابتك خصاصة (وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً ) ليقتدوا بك فلا تُعطِ كلّ ما عندك فتعرّض نفسك للمرض (وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا ) على أعمالك وحُسن أخلاقك ، أي كفى بالله شاهداً لك على حُسنِ أخلاقِك .
80 - قال النبيّ (ع) لأصحابهِ سنخرج بعد بضعة أيام إلى قتال المشركين فاستعدّوا لهم . فقالوا سمعاً وطاعة . فأخذَ المؤمنون يستعدّون أمّا المنافقون فإنّهم اجتمعوا ليلاً وتشاوروا فيما بينهم وقالوا : قولوا للنبيّ انتظرنا شهراً واحداً كي نقضي أشغالنا ثمّ نخرج جميعاً ، فإنّه سيتركنا ويذهب بمن معه ، فلمّا سمع النبيّ كلامهم اغتمّ لذلك ، فنزلت هذه الآية تسليةً للنبيّ (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ ) ويستعدّ للقتال (فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ) لأنّ الرسول يعمل بأمر الله (وَمَن تَوَلَّى ) عنه ولم يخرج للقتال فإنّ الله سيعاقبه فلا يهمّك تخلّفه (فَمَا أَرْسَلْنَاكَ ) يا محمّد (عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) فتغتم لأجلهم وتريد أن تحفظهم من العذاب .
81 - (وَيَقُولُونَ) يعني المنافقين لَمّا أمرهم رسول الله بالاستعداد للقتال (طَاعَةٌ) لك يا محمّد (فَإِذَا بَرَزُواْ ) أي خرجوا (مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ ) يعني من المنافقين تشاوروا وتآمروا وقت المبيت يعني ليلاً ، ومن ذلك قول عبيدة بن هشام :
أتَوْنِي فَلَمْ أرْضَ ما بَيّتُوا وكانُوا أتَوْنِي لأمْرٍ نُكُرْ
(غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ) يعني بيّتوا قولاً غير قولهم طاعةٌ بل هو عصيان (وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ) يعني ملائكته يكتبون ذلك بأمرِه وسيُعاقبهم على أفعالهم (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) يا محمّد ولاتنتظرهم بل أخرجْ (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ) فإنّ الله ينصرك على أعدائك (وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ) لِمن توكّل عليه ، يعني إنّ الله سيكفي أمرَ من توكّل عليه .
82 - (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) يعني ألا يُفكّرون في آيات القرآن وبلاغتها ليعلموا أنّهم لا يقدرون على الإتيان بمثله فيعرفوا أنّه ليس من كلام البشر بل هو كلام الله (وَلَوْ كَانَ ) القرآن (مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ) أي لوجدوا فيه تناقضاً كثيراً واختلافاً عن الكتُب السماويّة القديمة من أمر التوحيد ونبذ الأصنام وغير ذلك .
83 - (وَإِذَا جَاءهُمْ ) أي المنافقين (أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ ) أي من جهة الأمن ، يعني من المدينة (أَوِ) من جهة (الْخَوْفِ) يعني من جهة الحرب والقتال ، فالأمر يكون من النبيّ (ع) وجهة النبيّ أمان ، والأمر من جهة الخوف يكون من قائد الجيش وجهة الجيش خوف لأنّ فيها القتال ، وذلك بأن يُرسِل قائد الجيش أحدهم إلى المدينة ليرسل لهم النبيّ نجدة أو أسلحة أو أطعمة أو غير ذلك ، فإذا ذهب ذلك الرسول إلى المدينة أفشَى الخبر وأذاع بهِ قبل وصوله إلى النبيّ ، وذلك قوله تعالى (أَذَاعُواْ بِهِ ) أي أفشَوُه (وَلَوْ رَدُّوهُ ) أي ولو ردّوا الجواب إلى قائد الجيش أو إلى النبيّ بدون أن يُفشوه ، وذلك قوله (إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ ) أي إلى قادتهم قادة الجيش (لَعَلِمَهُ الّذينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) أي من اُمرائهم وقادتهم ، يعني لفهموا الجواب وعملوا بالصواب ولكنّ المنافقين يُفشُون أسرارهم (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ ) أيّها المسلمون بأن هداكم للإسلام (وَرَحْمَتُهُ) بأن نصركم على أعدائكم وألقى الرعب في قلوبهم (لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ ) أبا سفيان (إِلاَّ قَلِيلاً ) منكم لم يتّبعُوه .
84 - لَمّا رجع أبو سفيان إلى مكّة يومَ اُحُد واعدَ رسولَ الله موسم بدر الصُّغرى ، وهو سوق تقوم في ذي القعدة ، فلمّا بلغ النبيّ الميعاد قال للناس أخرجوا إلى الميعاد ، فتثاقلوا وكرهوا الخروج للقتال ، فنزلت هذه الآية (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) أي أخرجْ لقتال المشركين في سبيل الله (لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ ) أي لا تُجبر أحداً على قتال المشركين إلاّ نفسك (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ) على القتال ليساعدوك (عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ ) عنكم (بَأْسَ الّذينَ كَفَرُواْ ) يعني يمنع عنكم شِدّة الكافرين وأذاهم (وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا ) من بأسهم (وَأَشَدُّ تَنكِيلاً ) بِهم ، يعني وأشدّ انتقاماً بِهم ، ومن ذلك قول زُهير يمدح قوماً :
أصحابُ زبدٍ وأيّامٍ لهمْ سَلَفَتْ مَنْ حارَبُوا أعذَبُوا عنْهُ بتَنكِيلِ
فخرج النبيّ في سبعين راكباً إلى بدر ، فألقى اللهُ الرعبَ في قلوب المشركين وقائدهم أبي سُفيان فقعدوا ولم يخرجوا لقتال النبيّ ، فرجع النبيّ بعد بضعة أيّام مع أصحابه سالمين رابحين في السوق بالتجارة كما وعدهم الله تعالى .
85 - (مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً ) موافِقة للشرع بأن راعَى حقّ مُسلم في دفع الضرَر عنهُ أو جلب النفع لهُ (يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ ) من الأجر (مِّنْهَا) أي بسببها (وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً ) مخالفة للشرع بأن يردّ مُجرماً فيشفع لهُ ويخلّصهُ من الحدّ والقِصاص (يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ) أي يكنْ لهُ نصيبٌ من إثمهِ وجريمتهِ (وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ) من الأعمال السيئة والشفاعة السيئة (مُّقِيتًا) أي مُحاسِباً ومُعاقِباً في وقتٍ من الأوقات ، والشاهد على ذلك قول الزبير بن عبد المطّلب :
وذي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النفسَ عنهُ وكنتُ علَى مَساءَتِهِ مُقِـيتـاً
يعني وكنتُ قادراً على مُعاقبتهِ في وقتٍ من الأوقات ولكن لم أفعل .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |