كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الأعراف من الآية( 8) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

8 - (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ) أي العدل لا ظلم فيه ، و"الوزن" هو المحاكمة ، و"الميزان" قانون الحُكم ، وجمعها موازين ،
والشاهد على ذلك قول امرئ القيس :

                               تِلْكَ الْمَوازِينُ والرَّحْمانُ أنزَلَها      رَبُّ البَرِيَّةِ بَيْنَ النَّاسِ مِقْياسَا

يريد بذلك الكتب السماويّة وما فيها من أحكام وقوانين تشريعيّة ، وقال الآخر :

                            قومٌ إذا استُخْصِمُوا كانُوا فَراعِنَةً      يَوْماً وإنْ حُكِّمُوا كانُوا مَوازِينَا

(فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ) يعني فمن طالت مُحاكمتُه (فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) بدخول الجنّة والخلاص من النار .

9 - (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ) يعني قصرت مُحاكمتهُ ، لأنّ الكافرين لا يُحاكَمون بل يُسئلون سؤال توبيخ وتقريع (فَأُوْلَـئِكَ الّذينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ ) فهم باقون في جهنّم لا يخرجون منها .

10 - (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ ) من بناء البيوت عليها وحفر الآبار فيها وإنبات الزرع عليها وإخراج المعادن منها والانتقال عليها من بلدٍ إلى بلدٍ آخر (وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ) من النبات والحيوان والطير . "معايش" جمع ومفردها معيشة ، (قَلِيلاً مَّا ) أي قليلاً من هذهِ النِعَم المتنوّعة (تَشْكُرُونَ) عليها . وكلمة "ما" تُستعمل للتنوّع .

11 - (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ) من حُجيرات دقيقة في الطين (ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ) على هيئة إنسان – بتأليف تلك الحُجيرات بعضها إلى البعض – ويقصد بذلك أبانا آدم ، وإنّما قال تعالى (خَلَقْنَاكُمْ) يعني خلقنا آدم فكنتم من نسلهِ (ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ) ، وقد سبق تفسير مِثل هذهِ الآية في سورة البقرة .

12 - (قَالَ) الله تعالى لإبليس (مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ ) لآدم ، يعني : أيُّ شيء منعك من السجود ، ومن قال لك لا تسجد؟ ولذلك جاء حرفان من حروف النفي في الجملة (إِذْ أَمَرْتُكَ ) بالسجود (قَالَ) إبليس (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) .

13 - (قَالَ) الله تعالى لإبليس (فَاهْبِطْ مِنْهَا ) أي من السماوات الأثيريّة ، يعني من الجنان الّتي تسكنها الملائكة (فَمَا يَكُونُ لَكَ ) أي لا يحقُّ لك (أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا ) على الملائكة وعلى آدم (فَاخْرُجْ) من الجنان وانزل إلى الأرض (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) أي من المستحقَرِين . وإنّما قال تعالى (فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا ) والتكبّر مذموم في كلّ مكان ، لأنّ الجنّة دار نعيم وبقاء ولا يدخلها إلاّ من عرف الله وأطاعهُ ، فيكون المعنى : كيف تتكبّر وتعصي أمري وأنتَ تعرفني حقّ معرفتي وقد عبدتني مئات السنين ثمّ إنّك في دار النعيم والبقاء ولك المنزلة على الملائكة فكيف تعصي أمري ولا تخاف أن تذهب منزلتك وتُطرَد من الجنان وتسكن جهنّم دار الذلّ والهوان ؟

14 - (قَالَ) إبليس (فَأَنظِرْنِي) أي أمهِلني ولا تعذّبني (إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) للحساب ، يعني إلى يوم القيامة .

15 - (قَالَ) الله تعالى (إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ) أي من الممهَلين .

16 - (قَالَ) إبليس (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي ) بتقريبي منك وجعلتني رئيساً على الملائكة فظننتُ أنّك لا تطردني من منزلتي إن أنا تركتُ بعض واجباتي ولا تُعاقبني إن أنا لم أمتثل بعض أوامرك . فهذا معنى "أغويتني" ، فإنّ الله تعالى لا يغوي أحداً ولكنّ إبليس أخذه الغرور بمنزلته فأغواه جهلهُ بعواقب الاُمور وأوقعه تكبّره في المعصية ، وقوله (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) تقديره لأقعدنّ لهم على صراطك المستقيم فأصدّهم عنه ، يعني أصدّهم عن الدين المستقيم الّذي يوصلهم إليك فيجب على الإنسان أن يتجنّب هاتين الخِصلتين على الدوام لئلاّ يقع في الهاوية كما وقع إبليس ، والخِصلتان هما الغرور والتكبّر .

17 - وقوله (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم ) يعني لأولاد آدم (مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ) لكي أغويهم ، مُفرد الأيمان يمين ، ومُفرد الشمائل شمال ، والمعنى : آتيهم من جهة اليمين ومن جهة الشمال لإغوائهم وتكفيرهم (وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) بل أكثرهم كافرين .

18 - (قَالَ) الله تعالى لإبليس (اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا ) أي مذموماً ممقوتاً (مَّدْحُورًا) أي مطروداً ، والعقاب (لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ ) يعني من أولاد آدم (لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ ) يعني من الجنّ والإنس ، لأنّ إبليس أبو الجنّ .

19 - ثمّ خاطبَ آدم فقال الله تعالى (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) المادّية ، وهي بستان وكانت فوق جبل (فَكُلاَ) أنت وزوجك (مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا ) من أثمار الجنّة ، أي من البستان (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ ) وهي شجرة العلّيق (ﻋﻠﮕﺔ) ، (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) لنفسيكما ، وإنّما منعهما من الاقتراب إلى شجرة العلّيق لأنّ فيها شوكاً يُمزّق ثيابهما إن تناولا من ثمرتها ، فكان المنع منهُ سُبحانهُ شفقةً بهما .

20 - (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا ) يعني ليكشفَ لهما ما توارى وخفيَ عنهما (مِن سَوْءَاتِهِمَا ) أي من عوراتهما إن أكلا من توت العلّيق ، وذلك إن تناولا منهُ تخلّل الشوك ثيابهما فمزّقها فحينئذٍ تنكشف عورة أحدهما للآخر فيعلم آدم أنّ حوّاء اُنثى وليست مثلهُ في الخلقة وكذلك حوّاء تعلم أنّ آدم ذكر وليس مِثلها في الخلقة فحينئذٍ يزدوجان كما تزدوج الأنعام الموجودة على ذلك الجبل (وَقَالَ) لهما بالوسوسة (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) أي من المخلّدين الّذينَ لا يموتون .

------------------------------------
الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم