كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الكهف من الآية( 80) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

80 - (وَأَمَّا الْغُلَامُ ) الّذي قتلتُهُ (فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ ) وكان الغلام كافراً وكنت مأموراً بهذا من الله تعالى (فَخَشِينَا) نحن الملائكة الموكّلين بشؤون المؤمنين (أَن يُرْهِقَهُمَا ) أي يُكلّفهما (طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) يعني فخشينا أن يُرهِق الغلام أبويه إذا كبِر ويؤذيهما بكفره وطغيانهِ .

81 - (فَأَرَدْنَا) نحن الملائكة (أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ) ولداً (خَيْرًا مِّنْهُ ) أي خيراً من الّذي قتلهُ (زَكَاةً) للنفس ، يعني ولداً صالحاً غير فاسق (وَأَقْرَبَ رُحْمًا ) يعني وأقرب إلى الأب من أرحامهِ . فتزوّج أبوهُ زوجةً اُخرى من أقاربه فولدت له ولداً فنشأ نشأةً حسنة فصار رجلاً صالحاً يدعو إلى الله ويعبدهُ .

82 - (وَأَمَّا الْجِدَارُ ) الّذي رمّمتُهُ وبنَيتُهُ (فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ) الّتي بنينا الجدار فيها (وَكَانَ تَحْتَهُ ) أي تحت الجدار (كَنزٌ لَّهُمَا ) قد دفنهُ أبوهما (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ) وكان ترميمي للجدار (رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ) بهما (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) أي وما فعلتُ ذلك بإرادتي وإنّما فعلتهُ بأمرٍ من الله تعالى (ذَلِكَ) الّذي قلتهُ لك (تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ) .

83 - (وَيَسْأَلُونَكَ ) النصارى (عَنْ) إسكندر الملقّب بِ (ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا ) أي سأقصّ عليكم من أنبائهِ خبراً وقصّةً .

84 - (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ) بأن جعلناهُ مَلِكاً وقائداً (وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ) أي هيّأنا لهُ أسباب الظفر في فتوحاتهِ وحروبهِ .

85 - (فَأَتْبَعَ سَبَبًا ) أي فاتّبعَ إسكندر تلك الأسباب الّتي هيّأناها لهُ وسارَ عليها فانتصر وظفر بالكافرين وفتح البلاد .

86 - (حَتَّى إِذَا بَلَغَ ) في سيره (مَغْرِبَ الشَّمْسِ ) أي جهة غروب الشمس ، يعني في الجهة الّتي تقع غرب بلادهِ مكدونية . خرج إسكندر من مقدونية إلى تركية ثمّ إلى مصر فاتحاً ، وبنَى هناك مدينة الأسكندريّة ، ثمّ واصل سفره إلى السودان ، (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي ) مراقبةِ (عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) أي وجد الشمس تغرب في مراقبةِ امرأةٍ سوداء وهي ملكتهم ، والمعنى : وجدها تغرب على قوم يُراقبون الشمس عند غروبها فيسجدون لها ولهم ملكةٌ سوداء تؤمّهم فيقلّدونها واسمها كنداكة ، لأنّ إسكندر لَمّا وصل السودان وجد سُكّان ذلك القطر يعبدون الشمس ، وذلك أنّهم يجتمعون في يوم عيدهم خارج المدينة وقت غروبها وهم ينظرون إليها ويُرتّلون الأناشيد الدينيّة فإذا كادت تختفي عن الأنظار سجدوا لها بأجمعهم . فالعين معناها المراقَبة ، يُقال "زيدٌ في عيني" أي في مراقبتي ، قال الله تعالى في سورة القمر {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ } ، وقال تعالى في سورة الطور {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } ، ومن ذلك قول الحاجري :

                               أخافُ عَلَيْهَا مِنْ عُيُونِ وُشاتِهَا      وآخُذُ عَنْهَا حَيْنَ تُقْبِلُ جانِبَا

والمعنى أخاف عليها من مراقبة وشاتها ، وقال عمرو بن كلثوم :

                                    تُرِيْكَ إذا دَخَلْتَ عَلَى خَلاءٍ      وَقَدْ أَمِنَتْ عُيُونَ الكاشِحِينَا

وقال أيضاً :
                                     بِيَوْمِ كَرِيهَةٍ ضَرْباً وطَعْناً      أَقَرَّ بِهِ مَوالِيكِ العُيُونَا

و"الحمئة" معناها السوداء ، يُقال "تحمّم الجدار" أي صار أسود من الدخان ، ويُقال "حمّمَ الغُلام" أي بدت لحيتهُ ، والحِمَم الرماد والفحم وكلّ ما احترق بالنار ، وقوله (وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ) يعني وجد إسكندر عند المرأة السوداء قوماً يفعلون كفعلها ويُقلّدونها في سجودها للشمس . (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ) وهذه كنية إسكندر (إِمَّا أَن تُعَذِّبَ ) هؤلاء القوم الّذينَ يعبدون الشمس وذلك إن لم يؤمنوا (وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ) إذا آمَنوا .

87 - (قَالَ) إسكندر (أَمَّا مَن ظَلَمَ ) نفسه بالشرك ولم يؤمن (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ) بالضرب والسجن في الدنيا (ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ ) بعد موتهِ (فَيُعَذِّبُهُ) في الآخرةِ (عَذَابًا نُّكْرًا ) أي عذاباً منكراً غير معهود .

88 - (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ ) في الآخرة (جَزَاءً الْحُسْنَى ) أي حُسن الجزاء وهو نعيم الجنّة (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ) . قلتُ فيما سبق أنّ كلمة " أمر" كناية الملائكة ، فيكون المعنى : فستحاسبهُ ملائكتنا حساباً يسيراً ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الانشقاق {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا . وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا } .

89 - (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ) ثمّ أتبعَ سفره وفتوحاته نحو الشرق بما يسّرنا لهُ من أسباب الظفر والنجاح بعد أن مهّد جانب الغرب ، فتابع سفره وفتوحاته إلى سوريا والعراق وبنَى مدينة الإسكندريّة بين بغداد وبابل ، ثمّ تابع سفره إلى إيران والهند وهناك بنَى السدّ لمنع يأجوج ومأجوج قرب مدينة دربند . راجِع كتاب "الإسكندر المقدوني" تأليف هارولد لامب وترجمة الدكتور عبد الجبّار المطّلبي ومحمّد ناصر الصانع صفحة 269 .

90 - (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ) أي وصلَ منطقة المشرق ، يعني وصل منطقة تقع شرق بلاده مكدونيا (وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا ) أي ليس في أرضهم جبال تمنع أشعّة الشمس عنهم ، أو يستترون في الجبال عن الشمس عند شِدّة الحرّ .

91 - (كَذَلِكَ) فعل بهم إسكندر كما فعلَ بأهل المغرب (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ ) من نوايا حسنة وأعمال صالحة (خُبْرًا) أي اختبرناهُ فوجدناهُ صادقاً فلذلك ساعدناهُ وهيّأنا له أسباب الظفَر والنجاح في أسفارِه وفتوحاتهِ .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم