كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة النساء من الآية( 82) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

82 - (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) يعني ألا يُفكّرون في آيات القرآن وبلاغتها ليعلموا أنّهم لا يقدرون على الإتيان بمثله فيعرفوا أنّه ليس من كلام البشر بل هو كلام الله (وَلَوْ كَانَ ) القرآن (مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ) أي لوجدوا فيه تناقضاً كثيراً واختلافاً عن الكتُب السماويّة القديمة من أمر التوحيد ونبذ الأصنام وغير ذلك .

83 - (وَإِذَا جَاءهُمْ ) أي المنافقين (أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ ) أي من جهة الأمن ، يعني من المدينة (أَوِ) من جهة (الْخَوْفِ) يعني من جهة الحرب والقتال ، فالأمر يكون من النبيّ (ع) وجهة النبيّ أمان ، والأمر من جهة الخوف يكون من قائد الجيش وجهة الجيش خوف لأنّ فيها القتال ، وذلك بأن يُرسِل قائد الجيش أحدهم إلى المدينة ليرسل لهم النبيّ نجدة أو أسلحة أو أطعمة أو غير ذلك ، فإذا ذهب ذلك الرسول إلى المدينة أفشَى الخبر وأذاع بهِ قبل وصوله إلى النبيّ ، وذلك قوله تعالى (أَذَاعُواْ بِهِ ) أي أفشَوُه (وَلَوْ رَدُّوهُ ) أي ولو ردّوا الجواب إلى قائد الجيش أو إلى النبيّ بدون أن يُفشوه ، وذلك قوله (إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ ) أي إلى قادتهم قادة الجيش (لَعَلِمَهُ الّذينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) أي من اُمرائهم وقادتهم ، يعني لفهموا الجواب وعملوا بالصواب ولكنّ المنافقين يُفشُون أسرارهم (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ ) أيّها المسلمون بأن هداكم للإسلام (وَرَحْمَتُهُ) بأن نصركم على أعدائكم وألقى الرعب في قلوبهم (لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ ) أبا سفيان (إِلاَّ قَلِيلاً ) منكم لم يتّبعُوه .

84 - لَمّا رجع أبو سفيان إلى مكّة يومَ اُحُد واعدَ رسولَ الله موسم بدر الصُّغرى ، وهو سوق تقوم في ذي القعدة ، فلمّا بلغ النبيّ الميعاد قال للناس أخرجوا إلى الميعاد ، فتثاقلوا وكرهوا الخروج للقتال ، فنزلت هذه الآية (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) أي أخرجْ لقتال المشركين في سبيل الله (لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ ) أي لا تُجبر أحداً على قتال المشركين إلاّ نفسك (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ) على القتال ليساعدوك (عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ ) عنكم (بَأْسَ الّذينَ كَفَرُواْ ) يعني يمنع عنكم شِدّة الكافرين وأذاهم (وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا ) من بأسهم (وَأَشَدُّ تَنكِيلاً ) بِهم ، يعني وأشدّ انتقاماً بِهم ، ومن ذلك قول زُهير يمدح قوماً :

                     أصحابُ زبدٍ وأيّامٍ لهمْ سَلَفَتْ      مَنْ حارَبُوا أعذَبُوا عنْهُ بتَنكِيلِ

فخرج النبيّ في سبعين راكباً إلى بدر ، فألقى اللهُ الرعبَ في قلوب المشركين وقائدهم أبي سُفيان فقعدوا ولم يخرجوا لقتال النبيّ ، فرجع النبيّ بعد بضعة أيّام مع أصحابه سالمين رابحين في السوق بالتجارة كما وعدهم الله تعالى .

85 - (مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً ) موافِقة للشرع بأن راعَى حقّ مُسلم في دفع الضرَر عنهُ أو جلب النفع لهُ (يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ ) من الأجر (مِّنْهَا) أي بسببها (وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً ) مخالفة للشرع بأن يردّ مُجرماً فيشفع لهُ ويخلّصهُ من الحدّ والقِصاص (يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ) أي يكنْ لهُ نصيبٌ من إثمهِ وجريمتهِ (وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ) من الأعمال السيئة والشفاعة السيئة (مُّقِيتًا) أي مُحاسِباً ومُعاقِباً في وقتٍ من الأوقات ، والشاهد على ذلك قول الزبير بن عبد المطّلب :

                       وذي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النفسَ عنهُ      وكنتُ علَى مَساءَتِهِ مُقِـيتـاً

يعني وكنتُ قادراً على مُعاقبتهِ في وقتٍ من الأوقات ولكن لم أفعل .

86 - (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا ) يعني إذا حيّاك الْمُسلم فقال السلام عليك ، فقل وعليك السلام ورحمة الله (أَوْ رُدُّوهَا ) إن لم تكن احسن منها ، فتقول وعليك السلام ، فالسلام مُستحَب وردّ السلام واجِب (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ) من الأعمال (حَسِيبًا) أي مُحاسِباً ، يعني مُجازياً .

87 - (اللّهُ لا إِلَـهَ) في الكون (إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ ) بعد موتكم في البرزخ وأنتم نفوس أثيريّة (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) ثمّ يفصل بينكم فمنكم إلى الجنّة ومنكم إلى النار (لاَ رَيْبَ فِيهِ ) أي لا شكّ في الجمع ولا شكّ في القيامة وإنّما سُمّيَ يوم القيامة لأنّ الناس يقومون فيه للحساب ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة المطفّفين {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } ، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا ) فذلك كائن لا مَحالة .

88 - قدم المدينة نفرٌ من المشركين في تجارة وأشغال دنيوية ، ولَمّا وصلوا المدينة أظهَروا إسلامهم ، ولَمّا قضوا أشغالهم همّوا بالرجوع إلى مكّة ، ولَمّا سألهم المسلمون عن سبب رجوعهم قالوا نذهب إلى أهلنا كي نحمل أثاثنا وأمتعتنا ونرجع إليكم ، ولَمّا أبطأوا اختلف المسلمون في أمرهم فقال بعضهم أنّهم ارتدّوا عن الإسلام ولن يعودوا ، وقال آخرون أنّهم أسلموا ولكن شغلهم أمر فأبطأوا وسيعودون عن قريب ، فنزلت هذه الآية (فَمَا لَكُمْ ) أيّها المسلمون (فِي) أمر (الْمُنَافِقِينَ) صِرتم (فِئَتَيْنِ) فئة تحكم بكفرهم وفئة تحكم بإسلامهم فلو كانوا مسلمين لرجعوا إليكم ولكنّهم كافرون فلا تحكموا بإسلامهم (وَاللّهُ أَرْكَسَهُم ) أي أغرقهم بذنوبهم وغيّهم ، ولا تزال هذه الكلمة مُستعمَلة عند العرب فيقولون "رَكَسَ فلان في الماء" أي نزل فيه فلم يبدُ من جسمهِ شيء ، (بِمَا كَسَبُواْ ) من الظلم والآثام ، أي بسبب ظلمهم للناس وما اقترفوا من آثام (أَتُرِيدُونَ) أيّها المسلمون (أَن تَهْدُواْ ) إلى الإسلام وتدعوا إليه (مَنْ أَضَلَّ اللّهُ ) أي من أضلّه الله بسبب ظُلمهِ (وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ ) أي ومن يضللهُ الله عن طريق الحقّ (فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) أي طريقاً إلى النجاة والهداية .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم