كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
83 - ونزلت في النجاشي وأصحابهِ الّذينَ أسلَموا هذهِ الآية (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ) محمّد من القرآن (تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا ) بآياتك وبرسولك محمّد (فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) بالحقّ المعترفين به .
84 - (وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ ) وحده ونترك عقيدة التثليث وقد ظهرت الحقيقة (وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ ) في القرآن (وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا ) في الجنّة (مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ) في الآخرة .
85 - (فَأَثَابَهُمُ اللّهُ ) أي جازاهم (بِمَا قَالُواْ ) من اعتراف بالتوحيد لله دون التثليث وتصديقهم لرسولهِ محمّد (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ) أي مُخلّدين فيها (وَذَلِكَ) الخلود (جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ) في الآخرة .
86 - (وَالّذينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ) الّتي أنزلناها على محمّد في القرآن (أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) .
87 - خطب النبيّ يوماً فذمّ الدنيا وما فيها ورغّبَ في الآخرة ونعيمها ، فعزمَ جماعة من المسلمين أن يصوموا النهار ويقوموا اللّيل بالعبادة ولا يأكلوا من الطيّبات ولا يقربوا النساء ، فنزلت فيهم هذه الآية (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ ) على أنفسكم (طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ ) من المأكل والملبس والنساء (وَلاَ تَعْتَدُواْ ) على الدِين بتغيير أحكامهِ فتقلّدكم الناس بأعمالكم هذهِ (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) .
88 - (وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ ) من الطيّبات (حَلاَلاً) لكم (طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ ) في تغيير أحكامه (الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ) .
89 - (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ) اللّغو في اليمين هو أن يحلف الإنسان سهواً أو ناسياً أو سبقَ لسان ، مثَلاً إذا سألك أحد "هل رأيت فلان ؟" فتقول "لا والله ما رأيتُهُ " ، ثمّ تذكر أنّك رأيتهُ قبل ساعة أو أكثر منها ، فهذا هو النسيان فيجب عليك أن تستغفر ربّك لِما حلفتَ ناسياً ، وكذلك إذا حلفتَ سهواً أو سَبْقَ لسان فيجب عليك أن تستغفر ربّك (وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ) أي بتعقيدكم الأيمان ، وهو توثيقها وتوكيدها ، ومن ذلك قول حسّان بن ثابت الأنصاري :
وَكَمْ قَدْ عَقَدُوا للهِ ثُمَّ وَفَوْا بِهِ بِمَا ضَاقَ عَنْهُ كُلُّ بَادٍ وَحَاضِرِ
ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة النحل {وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً } . فاليمين الموثّقة أن تُعاهد على شيء وتحلف عليهِ ، واليمين المؤكّدة أن تقول والله وبالله وتالله (فَكَفَّارَتُهُ) أي كفّارة اليمين الموثّقة أو المؤكّدة إذا حلفتَ بها ثمّ حنثتَ عنها فعليك كفّارة (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ) لمن كان مُتوسّط الحال (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) مؤمنة ، وهذا الحكم لمن كان غنيّاً (فَمَن لَّمْ يَجِدْ ) في بيته شيئاً من المال أو الطعام ليُطعم عشرة مساكين (فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ) يصومها (ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ) ثمّ حنَثتُم (وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ ) ولا تحنثوا إلاّ لضرورة مع أداء الكفّارة (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) نِعمهُ .
90 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) "الخمر" يُطلق على كلّ شراب مُسكّر ، و"الميسر" هو القمار بأنواعه (وَالأَنصَابُ) هي أحجار كبيرة كان المشركون يذبحون عليها الأنعام قرباناً للأصنام ، وتقديرهُ لا تأكلوا من الأنعام الّتي تُذبح للأصنام فهيَ رجسٌ (وَالأَزْلاَمُ) هي أقداح كانوا يستقسمون بها الجزور ، وهي لعبة كالقمار ، كلّ ذلك (رِجْسٌ) أي مرض نفسي (مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ) سنّها لكم ليصدّكم عن ذكر الله وليوقع العداوة فيما بينكم بسببها (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) بتجنّبها ولا تخسرون . فالرجس هو المرض ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة التوبة {وَأَمَّا الّذينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } ، يعني فزادهم مرضاً إلى مرضهم ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً } .
91 - ثمّ قرّر مافيهما من المفاسد والمضارّ فقال تعالى (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) فشارب الخمر تزيل عقلهُ فيتكلّم بالفُحش وربّما أفضى بهِ إلى المقاتَلة ، والميسر يسبّب أن يُقامر الرجل على أهلهِ ومالهِ فيقعد حزيناً سليباً ينظر إلى ماله في يد غيره فيورث العداوة والبغضاء ، وهذا من مفاسدهما في الدنيا ، ثمّ أشار إلى مفاسدهما في الدِين فقال تعالى (وَيَصُدَّكُمْ) بالاشتغال بهما (عَن ذِكْرِ اللّهِ ) الّذي تحيى بهِ القلوب (وَعَنِ الصَّلاَةِ ) الّتي هيَ عمود الدين (فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) عن فِعلهما ؟
92 - (وَأَطِيعُواْ اللّهَ ) فيما نهاكم عنه (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) في تعاليمهِ وإرشاداتهِ (وَاحْذَرُواْ) أن تولّوا عنهُ (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ) عنه ولم تسمعوا لقولهِ (فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ) وعلينا الحساب والعقاب الشديد .
93 - لقد حرّم الله تعالى في الآية السابقة ثلاثة أشياء وهي "الخمر" وهو كلّ مُسَكّر ، ثانياً "الميسر" وهو القمار ، ثالثاً "الأنصاب والأزلام" وهو اللّحم الّذي يوزّع باسم الأصنام . فقال بعض الصحابة : "يا رسول الله لقد شربنا الخمر في الماضي وأكلنا من تلك اللّحوم ولعبنا بالميسر ونخاف أن نأثم عليها" ، فنزل قوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الّذينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ ) أي ليس عليهم إثمٌ ولا حرج (فِيمَا طَعِمُواْ ) من الخمر قبل تحريمهِ (إِذَا مَا اتَّقَواْ ) في المستقبل شربهُ ، يعني إذا تجنّبوا شربه في المستقبل (وَّآمَنُواْ) بتحريمهِ ولم يُعارضوا (وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) بسبب تركه ، لأنّ الّذي يشربه يعمل الموبقات والّذي يتركه يميل إلى عمل الصالحات ، (ثُمَّ اتَّقَواْ ) لعِب الميسر (وَّآمَنُواْ) بتحريمهِ ولم يعترضوا على ذلك (ثُمَّ اتَّقَواْ ) أكل اللّحوم الّتي تُذبح على الأنصاب للأصنام والّتي تُستقسم بالأزلام فلا يأكلون منها ولا يذبحون القرابين لغير الله كما يفعل المشركون ، بل يذبحون لله وفي سبيلهِ (وَّأَحْسَنُواْ) مع الفقراء بإطعامهم مِمّا يذبحون من الأنعام لوجه الله (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) مع الناس .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |