كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
84 - (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ) مرّةً اُخرى ، يعني ميثاق أسلافكم الّذينَ كانوا في زمن يوشع بن نون ، وذلك بعد وفاة موسى ، وقلنا لهم (لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ ) يعني لا يقتل بعضكم بعضاً (وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ) أي ولا تحاربوا قوماً منكم فتهزموهم وتخرجوهم من ديارهم (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ ) بالميثاق وقبلتم بتلك الشروط (وَأَنتُمْ) أيّها المعاصرون (تَشْهَدُونَ) بذلك لأنّ الميثاق الّذي أخذناهُ على أسلافكم مسطور في مجموعة التوراة في الإصحاح الرابع والعشرين من سِفر يشوع .
85 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ أنّهم نكثوا العهد وخانوا الميثاق وقتلوا النفوس وسفكوا الدماء وأخرجوا قومهم من ديارهم فقال تعالى (ثُمَّ أَنتُمْ ) أبناء (هَـؤُلاءِ) الّذينَ أخذنا عليهم الميثاق (تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ ) يعني يقتل بعضكم بعضاً (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ ) بالحرب والقتال (تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) أي مُتعاونين على إخراجهم بالظلم والتعدّي (وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ ) يعني إذا وجدتم أسيراً من قومكم في أيدي أعدائكم تفكّون أسرهُ بالفِدية (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ) من ديارهم ، يعني كما أوجبنا عليكم فكّ الأسير من أيدي أعدائكم كذلك حرّمنا عليكم قتل أبناء جنسكم وحرّمنا عليكم إخراجهم من ديارهم ، فلماذا تعملون بالوصيّة الأولى ولا تعملون بالوصيّة الثانية ؟ (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) يعني تصدّقون بعض أحكام التوراة وتعملون بِها وتنكرون الأحكام الاُخرى ولا تعملون بِها ، (فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُنيا ) على أيدي أعدائكم ، والخزي أصابهم مرّاتٍ عديدةً إحداها على يد نبوخذنصّر ملك بابل وغيرها كثير من قتلٍ وسلبٍ وأسْرٍ وتشريد (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) أيّها اليهود من أعمال سيئة ، وقِصّة قتل بعضهم لبعضٍ وإخراجهم من ديارهم مذكورة في مجموعة التوراة في سِفر قضاة في الإصحاح التاسع عشر إلى الحادي والعشرين .
86 - (أُولَـئِكَ) الّذينَ سبق ذكرهم من اليهود (الّذينَ اشْتَرَوُاْ ) أي استبدلوا (الْحَيَاةَ الدُنيا بِالآَخِرَةِ ) أي بالحياة الآخرة وهي الحياة الأثيريّة (فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ ) يوم القيامة (وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) .
87 - (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) يعني التوراة (وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ) أي أردفنا بعضهم خلف بعض ، يعني بعثنا الأنبياء والرُسُل مُتتابعين بعضهم في إثر بعض ، والقفا ظهر الإنسان ، ومن ذلك قول امرئ القيس :
فَقَفَّى علَى آثارِهِنَّ بِحاصِبٍ وغَبْيَةِ شُؤْبُوبٍ مِنَ الشَّدِّ مُلْهِبِ
فالحاصب هو الحصَى ، والمعنى ضربهنّ بالحصَى من قفاهنّ . والرُسُل هم يوشع بن نون ، وصموئيل ، وناثان ، وداوُد ، وسُليمان ، وإيليّا ، وأشعيا ، ويونس ، وإرميا ، وحزقيال (ذو الكفل) ، ودانيال ، وهوشع ، ونحميا ، وزكريّا ، ويحيى . فهؤلاء الأنبياء خمسة عشر ، على عدد ملوك بني إسرائيل المشركين وهم خمسة عشر أوّلهم يربُعام بن ناباط وآخرهم هو صِدقيا الّذي مات في سجن الملك نبوخذنصّر ملك بابل .
(وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ ) أي المعاجز الدالّة على صدقهِ (وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) أي بجبرائيل (أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ ) أيّها اليهود (بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ ) من الأحكام والدِين (اسْتَكْبَرْتُمْ) عليهم (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ ) كإشعيا وإرميا وعيسى ومحمّد (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) كيحيى وزكريّا وغيرهما ، وقد كذّبتم النبيّ إرميا من قبل وسجنتموه ولم تُصدِّقوه حتّى دمّركم ملك بابل فكان كما أخبركم بهِ إرميا فحينئذٍ ظهرَ لكم صِدقهُ وندمتم عند فوات الوقت وحيث لم ينفع الندم .
88 - (وَقَالُواْ) يعني اليهود (قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) أي عليها أغلفة لا نفهم ما تقول يا محمّد (بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ ) والمعنى : كذبوا في قولِهم قلوبنا غلفٌ ، بل يفهمون ويعلمون ولكن عناداً منهم وتكبّراً فلا ينقادون للحقّ ولذلك أبعدهم اللهُ من رحمتهِ ، فاللّعن هو الإقصاء والإبعاد ، ومن ذلك قول الشمّاخ :
وماءٍ قد وَردْتُ لِوَصْلِ أروى عليهِ الطيرُ كالورقِ اللّجينِ
ذَعَرْتُ بِهِ القَطَا وَنَفَيْتُ عَنْهُ مَقَامَ الذِّئْبِ كَالرَّجُلِ الَّلعِينِ
أي كالرجُل المبعَد (فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ ) يعني قليل منهم يؤمنون بك يا محمّد ويصدّقونك.
89 - (وَلَمَّا جَاءهُمْ ) أي اليهود الّذينَ كانوا في زمن رسول الله محمّد (كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ ) يعني القرآن (مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ ) من أمر التوحيد ونبذ الأصنام (وَكَانُواْ) أي اليهود (مِن قَبْلُ ) مبعث النبيّ (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذينَ كَفَرُواْ ) أي يخبرون مشركي العرب بمجيء نبيّ منهم ويُعلّمونهم بصفاته ، فلفظة "يستفتحون" معناها يُنبِئون ويُبشّرون بحدوث شيء فيه خير (فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ ) يعني فلمّا جاءهم محمّد الّذي عرفوا أوصافه واستفتحوا على المشركين بمجيئهِ (كَفَرُواْ بِهِ ) اليهود ، أي جحدوه ولم يصدّقوه (فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ) بمحمّد والناكرين رِسالتهُ .
90 - (بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ ) أي بئس المال الذي أبدلوا به أنفسهم وآثروا دنياهم على آخرتِهم (أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ ) يعني حين كفروا بما أنزل الله ، وهو القرآن (بَغْياً) أي حسَداً منهم وعُدواناً (أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ) يعني لئلاّ يُنزّل الله من الوحي على محمّد ، والمعنى : كان حسَدُهم لمحمّد وعداوتُهم له لكونه عربياً فلا يريدون أن ينزل الوحي عليه بل يريدونه لهم ، ولكنّ الله يؤتي الحكمة من يشاء من عبادهِ فلا يلتفت إلى عشيرة ولا إلى قبيلة بل يختار من الناس من كان حسنَ السريرة كريمَ الأخلاق طيّبَ النفس قادراً على أن يقوم بهذا الواجب (فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ) أي فرجعوا إلينا مُستحقين غضباً على غضب ، يعني أعددنا لهم ضعفين من العذاب ، فالغضب الأوّل لكفرهم بعيسى بن مريم والثاني لكفرهم بمحمّد (وَلِلْكَافِرِينَ) أمثالهم (عَذَابٌ مُّهِينٌ ) في الآخرة .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |