كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
85 - (وَ) اذكر في الكتاب (إِسْمَاعِيلَ) إبن إبراهيم (وَإِدْرِيسَ) واسمه بالعبريّة إيليّا (وَذَا الْكِفْلِ ) واسمهُ حزقيل بن بوزي وهو من أنبياء بني إسرائيل وقصّتهُ في مجموعة التوراة في سِفر حزقيال ، وإنّما صارت كنيتهُ ذا الكفل لأنّه تكفّل بني إسرائيل عند ملِك بابل بأن لا يُقاتلوه إذا أطلق سراحهم وأن يدفعوا له الجزية ، وقبره في العراق في محافظة بابل بين الحلّة والنجف (كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ ) صبروا على الأذى في سبيل الله ، أمّا إسماعيل فإنّه صبرَ ببلدٍ لا زرع فيه ولا ضرع وصبر أيضاً على فراق أبيه وصبرَ أيضاً عندما طلبَ منه أبوهُ أن يذبحهُ قرباناً لله ، وقام ببناء الكعبة . وأمّا إدريس فصبرَ على أذى اليهود وحُكم الملِك آخاب إذ كانوا يعبدون البعل في زمانهِ وضايقتهُ إيزابل زوجة الملِك آخاب وأرادت قتله فهرب إلى الجبال خوفاً من القتل ، وكذلك حزقيل صبرَ على الأذى في جنب الله .
86 - (وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ) بعد موتهم ، أي في جنّتنا (إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ ) .
87 - (وَذَا النُّونِ ) تقديره واذكر في الكتاب ذا النون ، واسمهُ بالعبريّة يونان بن أمتاي ، وفي العربيّة يونس ، هو من أواخر أنبياء بني إسرائيل (إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا ) لربّهِ حين أمرهُ أن يذهب إلى أهل نينوى فينذرهم عن عبادة الأوثان ويدعوهم إلى عبادة الرحمان ، فخافَ يونان أن يذهب إليهم وهربَ ولم يذهب إلى نينوى بل ذهب إلى يافا ووجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش فركب معهم (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) حين هربَ من أمامنا ولم يمتثل لأمرنا ، أي ظنّ أن لن نُضيّق عليه إذا لم يعمل بما نأمره ، فكلمة "نقدِر" معناها نضيّق ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الرعد {اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ } ، ومعناه : يبسط لمن يشاء ويضيّق على من يشاء . وقال تعالى في سورة الفجر {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ } .
فلمّا سارت السفينة وتوسّطت البحر أرسل الله ريحاً عاصفة فهاج البحر وكادت السفينة تغرق ، فقال بعض من كان في السفينة : "لو لَم يكن فينا رجلٌ ظالم لَما أرسل الله علينا هذه العاصفة فلنقترعْ " ، فألقَوا القُرعة فوقعت على يونان فألقَوهُ في البحر ، فجاءت حوت كبيرة وابتلعتهُ ، فأوحى الله إليها أن لا ترضّيهِ ولا تؤذيهِ ، فلمّا صار في بطنها ندمَ على هروبه (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ) أي في بطنها قائلاً (أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) لنفسي ، ربّي نجّني من بطن الحوت وأمضي إلى ما أمرتني بهِ .
88 - (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) من الغمّ إذا أنابوا إلينا . فأوحى الله تعالى إلى الحوت أن اقذفيهِ على الساحل ، ثمّ ذهبَ إلى أهل نينوى في الموصل وأنذرهم بالعذاب إن لم يُصلحوا أعمالهم ويتوبوا عن خطاياهم ، فكذّبوهُ وآذَوهُ فخرج من قريتهم لئلا يصيبهُ ما يصيبهم من العذاب ، فأرسل الله عليهم أحد المذنّبات لتهلكهم وتحرقهم ، فلمّا رأوا اقتراب المذنّب من سمائهم ورأوا ضوءهُ وشعروا بحرارتهِ أنابوا إلى الله واستغفروا لذنوبهم وكسّروا أصنامهم وتضرّعوا إلى الله فقبِلَ الله توبتهم ودفع العذاب عنهم ، فاستمرّ المذنّب في سيره وسقطَ بعيداً عنهم .
فلمّا علمَ يونان أنّ العذاب لم ينزل عليهم في الوقت الموعود اغتاظ لذلك ، ولم يعلم بتوبتهم ، وكان قد عمِلَ مظلّةً في الصحراء لتظلّهُ عن الشمس ، فأنبت الله إلى جانب مظلّتهِ شجرة من يقطين (قرع) وتسلّقت مظلّتهُ وصارت تظلّه عن الشمس وعن الرياح فابتهج بخضرتها وفرحَ بها ، ولكنها ذبلت في اليوم الثاني ويبست بسبب دودة قصمت ساقها فاغتمّ لأجلها ، فأوحى الله إليهِ : إنّك حزنتَ لشجرةٍ صغيرة لم تزرعها ولم تتعب لغرسها فكيف تُريد أن اُهلك هذه الاُمّة العظيمة الّتي تزيد على مائة ألف نسمة ؟ قم وارجع إليهم فإنّهم آمنوا وتابوا وهم يطلبونك لكي تعلّمهم وترشدهم إلى اُمور دينهم ، فقام وذهب إليهم ففرحوا بهِ وأطاعوه . وقد جاءت قصّتهُ في مجموعة التوراة في سِفر يونان ، وجاءت في القرآن في سورة الصافّات .
89 - (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي ) أي لا تتركني (فَرْدًا) بلا ولد يرثني (وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) .
90 - (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ) دُعاهُ (وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ) ولداً صالحاً (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) أي زوجتهُ بأن جعلناها ولوداً بعد أن كانت عقيماً (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) أي يُبادرون في الطاعات وإعطاء الصدقات (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ) أي رغبةً في الثواب ورهبةً من العقاب (وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) أي متواضعين .
91 - (وَ) اذكر في الكتاب مريم (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ) من الفساد ، أي منعت فرجها من الزِنا ، ومن ذلك قول جرير :
فَلا تَأمَنَنَّ الحَيَّ قَيْساً فَإنَّهُمْ بَنُو مُحْصَناتٍ لَمْ تُدَنَّسْ حُجُورُهَا
(فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ) جبرائيل ، والمعنى : أجرَينا فيها روح المسيح كما يتحرّك الهواء بالنفخ وكان ذلك بواسطة جبرائيل (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ) .
92 - ثمّ خاطب علماء النصارى فقال تعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) فلماذا فرّقتموها فِرقاً عديدة (وَأَنَا رَبُّكُمْ ) فلماذا تعبدون المسيح واُمّه (فَاعْبُدُونِ) ولا تعبدوا غيري .
93 - ثمّ وجّه الخطاب لرسولهِ فقال تعالى (وَتَقَطَّعُوا) فِرقاً (أَمْرَهُم) أي بسبب اُمرائهم وقادتهم الّذينَ (بَيْنَهُمْ) من أبناء دينهم (كُلٌّ) من الرؤساء والمرؤوسين (إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ) بعد موتهم فنعاقبهم على كفرهم وإشراكهم ، فحينئذٍ يقولون {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } ، فيقال لهم {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } .
94 - (فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ ) كصلة الرحم ومعونة الضعيف ونصر المظلوم والتنفيس عن المكروب وغير ذلك من الأعمال الصالحة (وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) بالله وبرُسُلهِ ولم يُشرك بعبادتهِ (فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ) أي فلا إنكار لإحسانهِ بل يُثاب عليها (وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ) يعني ملائكتنا تكتب أعماله فلا يضيع لهُ شيء منها .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |