كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
86 - (أُولَـئِكَ) الّذينَ سبق ذكرهم من اليهود (الّذينَ اشْتَرَوُاْ ) أي استبدلوا (الْحَيَاةَ الدُنيا بِالآَخِرَةِ ) أي بالحياة الآخرة وهي الحياة الأثيريّة (فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ ) يوم القيامة (وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) .
87 - (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) يعني التوراة (وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ) أي أردفنا بعضهم خلف بعض ، يعني بعثنا الأنبياء والرُسُل مُتتابعين بعضهم في إثر بعض ، والقفا ظهر الإنسان ، ومن ذلك قول امرئ القيس :
فَقَفَّى علَى آثارِهِنَّ بِحاصِبٍ وغَبْيَةِ شُؤْبُوبٍ مِنَ الشَّدِّ مُلْهِبِ
فالحاصب هو الحصَى ، والمعنى ضربهنّ بالحصَى من قفاهنّ . والرُسُل هم يوشع بن نون ، وصموئيل ، وناثان ، وداوُد ، وسُليمان ، وإيليّا ، وأشعيا ، ويونس ، وإرميا ، وحزقيال (ذو الكفل) ، ودانيال ، وهوشع ، ونحميا ، وزكريّا ، ويحيى . فهؤلاء الأنبياء خمسة عشر ، على عدد ملوك بني إسرائيل المشركين وهم خمسة عشر أوّلهم يربُعام بن ناباط وآخرهم هو صِدقيا الّذي مات في سجن الملك نبوخذنصّر ملك بابل .
(وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ ) أي المعاجز الدالّة على صدقهِ (وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) أي بجبرائيل (أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ ) أيّها اليهود (بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ ) من الأحكام والدِين (اسْتَكْبَرْتُمْ) عليهم (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ ) كإشعيا وإرميا وعيسى ومحمّد (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) كيحيى وزكريّا وغيرهما ، وقد كذّبتم النبيّ إرميا من قبل وسجنتموه ولم تُصدِّقوه حتّى دمّركم ملك بابل فكان كما أخبركم بهِ إرميا فحينئذٍ ظهرَ لكم صِدقهُ وندمتم عند فوات الوقت وحيث لم ينفع الندم .
88 - (وَقَالُواْ) يعني اليهود (قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) أي عليها أغلفة لا نفهم ما تقول يا محمّد (بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ ) والمعنى : كذبوا في قولِهم قلوبنا غلفٌ ، بل يفهمون ويعلمون ولكن عناداً منهم وتكبّراً فلا ينقادون للحقّ ولذلك أبعدهم اللهُ من رحمتهِ ، فاللّعن هو الإقصاء والإبعاد ، ومن ذلك قول الشمّاخ :
وماءٍ قد وَردْتُ لِوَصْلِ أروى عليهِ الطيرُ كالورقِ اللّجينِ
ذَعَرْتُ بِهِ القَطَا وَنَفَيْتُ عَنْهُ مَقَامَ الذِّئْبِ كَالرَّجُلِ الَّلعِينِ
أي كالرجُل المبعَد (فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ ) يعني قليل منهم يؤمنون بك يا محمّد ويصدّقونك.
89 - (وَلَمَّا جَاءهُمْ ) أي اليهود الّذينَ كانوا في زمن رسول الله محمّد (كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ ) يعني القرآن (مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ ) من أمر التوحيد ونبذ الأصنام (وَكَانُواْ) أي اليهود (مِن قَبْلُ ) مبعث النبيّ (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذينَ كَفَرُواْ ) أي يخبرون مشركي العرب بمجيء نبيّ منهم ويُعلّمونهم بصفاته ، فلفظة "يستفتحون" معناها يُنبِئون ويُبشّرون بحدوث شيء فيه خير (فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ ) يعني فلمّا جاءهم محمّد الّذي عرفوا أوصافه واستفتحوا على المشركين بمجيئهِ (كَفَرُواْ بِهِ ) اليهود ، أي جحدوه ولم يصدّقوه (فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ) بمحمّد والناكرين رِسالتهُ .
90 - (بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ ) أي بئس المال الذي أبدلوا به أنفسهم وآثروا دنياهم على آخرتِهم (أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ ) يعني حين كفروا بما أنزل الله ، وهو القرآن (بَغْياً) أي حسَداً منهم وعُدواناً (أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ) يعني لئلاّ يُنزّل الله من الوحي على محمّد ، والمعنى : كان حسَدُهم لمحمّد وعداوتُهم له لكونه عربياً فلا يريدون أن ينزل الوحي عليه بل يريدونه لهم ، ولكنّ الله يؤتي الحكمة من يشاء من عبادهِ فلا يلتفت إلى عشيرة ولا إلى قبيلة بل يختار من الناس من كان حسنَ السريرة كريمَ الأخلاق طيّبَ النفس قادراً على أن يقوم بهذا الواجب (فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ) أي فرجعوا إلينا مُستحقين غضباً على غضب ، يعني أعددنا لهم ضعفين من العذاب ، فالغضب الأوّل لكفرهم بعيسى بن مريم والثاني لكفرهم بمحمّد (وَلِلْكَافِرِينَ) أمثالهم (عَذَابٌ مُّهِينٌ ) في الآخرة .
91 - (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ) أي لليهود (آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ ) على محمّد وهو القرآن (قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ) يعنون التوراة (وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ ) أي بما بعدهُ من كتب سماويّة ، ومن ذلك قول الشاعر :
تمنّي الأماني ليسَ شيءٌ وراءَها كموعدِ عرقوبٍ أخاهُ بِيثربِ
وقال لبيد :
أَلَيسَ وَرائي إِن تَراخَت مَنِيَّتي لُزومُ العَصا تُحنى عَلَيها الأَصابِعُ
أخبر الله تعالى بأنّهم يكفرون بما جاء بعد التوراة من كتاب سماوي كالإنجيل والقرآن (وَهُوَ الْحَقُّ ) أي هو كلام الله وليس القرآن من كلام البشر (مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ ) أي لِما جاء في توراتهم من أمر التوحيد ونبذ الأصنام (قُلْ) يا محمّد لهم (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ ) كيحيى وزكريا وغيرهما (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) بالتوراة كما تزعمون؟ أليس الله حرّم قتل النفس في التوراة فلم تقتلون أنبياءه؟
92 - (وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ) الدالّة على صِدقهِ (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ) معبوداً تعبدونه (مِن بَعْدِهِ ) أي من بعد ذهاب موسى إلى جبل الطور ليأتيَ بالألواح (وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ) لأنفسكم بعبادتكم للعجل .
93 - (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ) يعني أخذنا عليكم العهد والميثاق بأن لا تعودوا إلى تكذيب موسى مرّةً اُخرى وأن تمتثلوا أوامر ربّكم (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) وهو الجبل لَمّا مالت شقّةٌ منهُ عليهم وكانوا تحته ، فقلنا لهم (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم ) من الأحكام الشرعية والوصايا الإلاهيّة الّتي أنزلها موسى في الألواح (بِقُوَّةٍ) أي بعزيمةٍ ويقين ، وقد سبق تفسيرها في آية 63 ، وقوله (وَاسْمَعُواْ ) أي أصغوا لقولنا واعملوا بأمرنا (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ) يعني صارت أعمالهم كمن قال سمعنا وعصينا ، لأنّهم لم يمتثلوا أمر ربّهم ولم يعملوا به إلاّ القليل منهم (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) أي بقيَ حُبُّ العجل في شغاف قلوبِهم ، وهذا مثَل ضربه الله تعالى بهم . وإليك شرحُهُ : يُصيب بعض الناس مرض قلب يُسمّى "شِربة ماء" فيشعر الإنسان بثقلٍ في قلبه ووجع دائم ، وسبب ذلك تسرّب قليل من الماء إلى غلاف القلب فيبقى هذا الماء في الغلاف على الدوام ويبقى الألم مادام الماء موجوداً . أمّا سبب وجود هذا الماء فهو نتيجة أبخرة في جوف الإنسان فإذا شرِبَ ماءً بارداً مُثلّجاً بردت أعضاؤهُ الّتي تلامس المعدة وبذلك تتحوّل الأبخرة إلى ماء بسبب البرودة وتدخل غلاف القلب ، وهذا لا يكون عامّاً عند كلّ الناس بل يكون عند بعضهم . ولعلاجهِ طريقة لإخراج الماء فيشفى المريض ، والطريقة هيَ أن ينام المريض على ظهره بدون وسادة ويؤتَى بكفكير ويُطلى قفاهُ بمادّة لزجة كالتمر أو الدبس القوي أو غير ذلك ثمّ توضع دائرة الكفكير على قلب المريض بحيث يلتصق على جلدة بطنهِ ثمّ يُرفع الكفكير فيرتفع جلد المريض بالكفكير ثمّ يعود الجلد إلى مكانهِ ، وبتكرار هذه العمليّة ورجوع جلدة البطن إلى مكانها ينفض الماء الموجود في غلاف القلب ويخرج منه فيشفى المريض من مرضهِ . فقوله تعالى (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) أي بقيَ حُبُّ العجل في أغلفة قلوبهم كمن أصابهُ هذا المرض وبقي الماء في غلاف قلبه . ومن ذلك قول زُهير :
فصَحَوتُ عنها بعدَ حُبٍّ داخلٍ والحبُّ تُشْرِبُهُ فُؤادَكَ داءُ
(قُلْ) لَهم يا محمّد (بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ ) يعني إن كان إيمانكم يأمركم بعبادة العجل وقتل الأنبياء وتكذيب الرُسُل فذلك بئسَ الإيمان (إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ) بالتوراة كما تزعمون : نؤمن بما أنزل علينا .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |