كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
87 - (قَالَ) إسكندر (أَمَّا مَن ظَلَمَ ) نفسه بالشرك ولم يؤمن (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ) بالضرب والسجن في الدنيا (ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ ) بعد موتهِ (فَيُعَذِّبُهُ) في الآخرةِ (عَذَابًا نُّكْرًا ) أي عذاباً منكراً غير معهود .
88 - (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ ) في الآخرة (جَزَاءً الْحُسْنَى ) أي حُسن الجزاء وهو نعيم الجنّة (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ) . قلتُ فيما سبق أنّ كلمة " أمر" كناية الملائكة ، فيكون المعنى : فستحاسبهُ ملائكتنا حساباً يسيراً ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الانشقاق {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا . وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا } .
89 - (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ) ثمّ أتبعَ سفره وفتوحاته نحو الشرق بما يسّرنا لهُ من أسباب الظفر والنجاح بعد أن مهّد جانب الغرب ، فتابع سفره وفتوحاته إلى سوريا والعراق وبنَى مدينة الإسكندريّة بين بغداد وبابل ، ثمّ تابع سفره إلى إيران والهند وهناك بنَى السدّ لمنع يأجوج ومأجوج قرب مدينة دربند . راجِع كتاب "الإسكندر المقدوني" تأليف هارولد لامب وترجمة الدكتور عبد الجبّار المطّلبي ومحمّد ناصر الصانع صفحة 269 .
90 - (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ) أي وصلَ منطقة المشرق ، يعني وصل منطقة تقع شرق بلاده مكدونيا (وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا ) أي ليس في أرضهم جبال تمنع أشعّة الشمس عنهم ، أو يستترون في الجبال عن الشمس عند شِدّة الحرّ .
91 - (كَذَلِكَ) فعل بهم إسكندر كما فعلَ بأهل المغرب (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ ) من نوايا حسنة وأعمال صالحة (خُبْرًا) أي اختبرناهُ فوجدناهُ صادقاً فلذلك ساعدناهُ وهيّأنا له أسباب الظفَر والنجاح في أسفارِه وفتوحاتهِ .
92 - (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ) يعني ثمّ أتبعَ [تابعَ] سيره وفتوحاتهِ .
93 - (حَتَّى إِذَا بَلَغَ ) أي وصلَ إسكندر (بَيْنَ السَّدَّيْنِ ) . وقد بيّن موقع السدّين مؤلّف كتاب "الإسكندر المقدوني" في صفحة 269 ، فقال بالنصّ : "وقد اُقيمَ سور مُحاذٍ للسلسلة الجبليّة عند موقع زادرأكارتا ، وكان يُدعَى في الأزمنة الأخيرة (سور الإسكندر) ، وإن كانت قبائل التركمان تدعوهُ اليوم بالحيّةِ الحمراء ، وذلك لأنّهُ بُنيَ من حجارة حمراء يلتوي على السفوح جنوبي سهول التركمان . ومن الغريب حقّاً أنّ سوراً آخر بنتهُ أيدٍ اُخرى على الجانب البعيد من بحرِ قزوين ، قرب مدينة دَرْبَنْد ، يُدعَى بسور الإسكندر ، وتقول القصّة أنّه بناهُ ليصدّ بهِ قبائل يأجوج ومأجوج المخرِّبة ." [إنتهى ] وقوله (وَجَدَ مِن دُونِهِمَا ) أي وجد قبل السدّين ، وهي سدود للمياه لئلاّ تتسرّب على الأراضي المنخفضة فتغرقها ، وجد (قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ) يعني لم تكن تلك القبائل تفهم لُغة إسكندر وجيشه حتّى وجدوا ترجماناً يفهم لغة هؤلاء القوم .
94 - (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ) و هذه كنية إسكندر186 (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ) وهما قبيلتان من التركمان ، وقد جاء ذكرهم في التوراة أيضاً في سِفر حزقيال في الإصحاح الثامن والثلاثين ، ومأجوج هو إبن يافث بن نوح النبيّ وإليهِ ينتمي نسبهم . وقد وقعت بينهما حروب وقتال لا مجالَ لذكرها ، وليس كما ذهبَ إليه بعض المفسّرِين من أنّهم ليسوا من البشر ولهم أشكال خاصّة ، فمنهم الطوال كطول النخلة ومنهم قِصار يساوي قصرهُ عُرضهُ ، ومنهم طوال الآذان بحيث يفرش أحدى اُذنيهِ ويتغطّى بالاُخرى ، وهذهِ من الخرافات ولا صِحّةَ لها . أمّا فسادهم لهؤلاء القوم فهو فتح المياه عليهم من تلك الفتحة الّتي بين الجبلين فيغرقونهم لِما كانت بينهم من عداوة ، وكلّما سدّوا تلك الفتحة بالحجارة والتراب رجعت قبيلة يأجوج أو مأجوج وهدموها فانحدرت المياه عليهم وأغرقتهم ، وذلك وقت الفيضان . فلمّا جاء إسكندر إلى أرضهم عرضوا عليه أمرهم وطلبوا منه أن يسدّ تلك الفتحة الواقعة وسط الجبل الممتدّ ، على أن يقوموا هم بتكاليف ما يلزم لبناء الحاجز ، وذلك قوله تعالى (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ) لئلاّ تجري المياه علينا فتغرقنا .
95 - (قَالَ) إسكندر (مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي ) من المال (خَيْرٌ) ممّا عندكم فلا حاجة لي بالمال (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ) من رجالكم فقط ، يعني أعينوني بالعمل دون المال (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ) أي حاجزاً للمياه لئلاّ تغرقكم .
96 - (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ) يعني قِطعاً من الحديد ، فلمّا جمعوا له الحديد أخذ يصفّها في تلك الفتحة ويجعل بعضها على بعض (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ) يعني حتّى ارتفع الحديد وساوى بين جانبي الجبل ، حينئذٍ طلب منهم الحطب فجعله أمام الحديد وخلفه وأشعل النار فيه (قَالَ انفُخُوا ) لتشتعل النار (حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا ) يعني حتّى صار الحديد أحمر كالنار لشدّة الاشتعال (قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ ) أي على الحديد (قِطْرًا) وهو النحاس المذاب . ولَمّا صبّ عليه النحاس تماسك مع الحديد فصار قويّاً متيناً . وسدّ دربند في الهند في دلتا نهر الكنج قرب مدينة كلكتّا ، اُنظر أطلس حافظ آخر صفحة منه وهي 97 ، و"دربند" كلمة فارسيّة ومعناها سدّ الفتحة ، كلمة "دَر" معناها باب أو فتحة ، وكلمة "بند" معناها سدّها .
97 - (فَمَا اسْطَاعُوا ) حينئذٍ (أَن يَظْهَرُوهُ ) يأجوج ومأجوج ، يعني فما استطاعوا أن يعلوهُ ليخرّبوهُ (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ) لتخرج المياه من النقب على القوم ليغرقوهم بل صارت المياه تنحدر على يأجوج ومأجوج . ولَمّا تمّ السدّ :
98 - (قَالَ) إسكندر (هَذَا) السدّ (رَحْمَةٌ) لكم (مِّن رَّبِّي ) حيث أرسلني إلى هذا المكان فعملتُ لكم هذا السدّ وخلّصتكم من الغرق (فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي ) لتهديمهِ قبل يوم القيامة (جَعَلَهُ دَكَّاءَ ) أي جعلهُ مُتهدّماً فتنحدر المياه عليكم وتغرقكم . وهذا تهديد لهم وإنذار عن الكفر والرجوع إليهِ ، والمعنى : قال لهم إنْ أصلحتم أعمالكم واستقمتم على عبادة ربّكم بقيَ السدّ على حاله يحرسكم من الغرق وإن رجعتم إلى الكفر والفساد فإنّ الله يهدمهُ وتنحدر المياه عليكم فتغرقكم كما كانت في السابق فلا تغترّوا بقوّة السدّ وتقولوا لا يتهدّم لأنّه من الحديد (وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ) فإذا وعدَ بشيء يكون لا محالة .
------------------------------------186 :هو إسكندر الكبير الملقّب بذي القرنين ، توفّي في بابل ، تعلّم على يد أرسطوطاليس ، تبوّأ الحكم الملَكي في مكدونيا محلّ فيلبس أبيه ، وعزمَ على فتح إمبراطوريّة الفُرس فكسرهم في آسيا الصُغرى (إبسوس 334 ق م ) ، ثمّ في سواحل فينيقيا (بعد أن حاصرَ صور سبعة أشهر) ، ثمّ في مصر (تأسيس الإسكندريّة) . أخيراً ضيّق على داريوس في العراق فانتصرَ عليه في أربيل (331 ق م) ، وتابعَ زحفهُ إلى أطراف فارس وتجاوزها إلى أطراف نهر هندوس . وذو القرنين من أعظم الغزاة وأشجعهم . وقد تنبّأ عنهُ النبيّ دانيال قبل مولده ، وذلك في الإصحاح الثامن من سِفر دانيال في مجموعة التوراة ، فرأى في منامهِ كبشاً لهُ قرنان طويلان ينطح بهما ، فنطحَ غرباً وشمالاً وجنوباً فلم يقف حيوان أمامهُ ولا منقذَ من يدهِ وفعل كما يُريد . فلذلك لُقّبَ بذي القرنين .كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |