كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة يوسف من الآية( 88) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

88 - (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ ) أي على يوسف (قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ) أي أصابنا وأهلنا الشِدّة بفقدان أخينا يوسف وحُزن أبينا عليهِ وأخذك بنيامين منّا وأصابنا الجوع في هذه السنين المجدِبة (وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ ) أي مدفوعةٍ لك من أبينا فتقبّلها منّا وإن كانت قليلة في حقّكَ ، فالمزجاة معناها المدفوعة ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ } أي يدفع لكم الفُلك بواسطة الرياح ، ومن ذلك قول النابغة :

                           وَهَبَّتِ الرِّيحُ من تِلْقاءِ ذِي أُرُلٍ      تُزْجِي مِنَ اللّيل مِنْ صُرَّادِها صِرَمَا

(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ ) بثمنهِ (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ ) بعتقِ أخينا بنيامين (إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ) بخيرٍ من عندهِ في الدنيا والآخرة . وكانت بضاعتهم الّتي جاؤوا بها إلى يوسف هديّةً : بلساناً171 ودبساً ونكعةً172 ولاذناً173 وفستقاً ولوزاً وبعض الفواكه .

89 - (قَالَ) يوسف لأخوتهِ (هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ ) من الضرب وإلقائهِ في الجُبّ وبيعه بعشرين درهماً (وَأَخِيهِ) بنيامين من الإهانة بعد فراق أخيهِ (إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ) ما يؤول إليهِ شأن يوسف .

90 - (قَالُواْ) وهم مُتعجّبون مِمّا هو فيهِ من الحُكم والمنزلة (أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا ) بالسّلامةِ والكرامة والاجتماع (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ ) المحرّمات (وَيِصْبِرْ) على ما ينالهُ من مكروه (فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) إلى الضُعفاء والمساكين .

91 - (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا ) بحُسنِ الصورة والسريرة ومحاسن الأخلاق والملْك وأحوَجَنا إليك (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ) يعني وقد كنّا لخاطئين في شأنك وما صنعناهُ معك .

92 - (قَالَ) يوسف (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ) أي لا لومَ ولا توبيخ عليكم اليوم (يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ ) لأنّكم اعترفتم بخطيئتكم وندمتم على ما مضَى منكم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) بالتائبين النادمين . ثمّ سألهم عن حال أبيهِ فقالوا ضَعُفَ بصرهُ ونحلَ جسمهُ من شِدّةِ حُزنهِ وكثرة بُكائهِ عليك فقال لهم :

93 - (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ ) إليّ (بَصِيرًا) لشدّةِ ما يُصيبهُ من الفرح ، والمعنى : تذهب منه الأحزان ويعلوه الفرح والسرور فيعود متبصّراً بالاُمور (وَأْتُونِي) أيضاً (بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) إلى مصر . فأخذوا ميرتهم وقميص يوسف معهم وتوجّهوا إلى أرض كنعان إلى أبيهم .

94 - (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ) أي انفصلت عن أرض مصر ودخلت أرض كنعان (قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ) أي أشمّ رائحة يوسف (لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ) يعني لولا أن تخطّئوا رأيي ، ومن ذلك قول حسّان يذكرُ غزوة بني قريظة :

                                فَهُمْ صَرْعَى تَحُومُ الطيرُ فِيهِمْ      كَذاكَ يُدَانُ ذُو الفَنَدِ الفَخُورِ

يعني كذاك يُجازى بعملهِ ذو الرأي الخاطئ الفخور بنفسهِ ، وقال عنترة :

                               خُلِقْنا لهذا الحبِّ مِنْ قبلِ يومِنا      فَمَا يَدْخُلُ التَّفْنِيدُ فيهِ مَسامِعِي

وقال الآخر :
                              يَـا صَاحِبَيَّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيـدِي      فَلَيْسَ مَا فَاتَ مِنْ أَمْرِي بمَرْدُودِ

وقال جرير :
                                 يَا عَاذِلَيَّ دَعَا الْمَلَامَ وَأَقْصِرَا      طَالَ الْهَوَى وَأَطَلْتُمَا التَّفْنِيدَا

95 - (قَالُواْ) أي قال من كان حاضراً عنده من أهلهِ وأحفادهِ (تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ ) يعني لا زِلتَ تعتقد أنّ يوسف حيّ بعد هذه المدّة والآن تشمّ رائحتهُ وقد مات وصار جسمهُ رميماً .

96 - (فَلَمَّا أَن ) تعطّلوا في الطريق (جَاء الْبَشِيرُ ) يهوذا قبلهم مُسرعاً بالقميص إلى أبيهِ ليُبشّرهُ (أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ ) أي ألقى القميص على وجه أبيهِ (فَارْتَدَّ ) يعني فلمّا شمّ رائحة يوسف من القميص عادَ يعقوب (بَصِيرًا) بالاُمور بعد أن كان حزيناً كئيباً ، والمعنى : ذهبَتْ عنهُ الأحزان والأوهام وصفَى ذِهنهُ من التفكير ، فحينئذٍ (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) أنتم ، والمعنى : ألم أقل لكم أنّ يوسف حيٌّ يرزق وذلك بما أوحاهُ الله إليّ وأرانيهِ في المنام ؟

97 - (قَالُواْ) أولاد يعقوب (يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ) أي إسأل من الله أن يغفرَ لنا ذنوبنا (إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) في حقّ يوسف .

98 - (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ ) يعني أنتم أذنبتم مع يوسف فإنْ رضِيَ عنكم يوسف فحينئذٍ أستغفر لكم وذلك بعد أن نذهب إلى مصر ليكون الاستغفار بحضورِه لكي يقول آمّين (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ ) للتائبين (الرَّحِيمُ) بالنادمين .

وكان يوسف أرسلَ لهم عربات لتحملَ أمتعتهم وأهاليهم وذراريهم وأموالهم ، وساقوا مواشيهم ودوابّهم إلى مصر بأجمعهم ، وكانوا سبعةً وسبعين نفراً ، ويوسف وولداه في مصر ، فيكون مجموع آل يعقوب ثمانين نفراً دخلوا مصر ، ولَمّا خرجوا من مصر مع موسى كانوا سِتمائة ألف رجل عدا الأطفال والنساء .

99 - (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى ) يوسف (إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ) يعني ضمّهُما إلى صدرهِ وقبّلهما ، وهما أبوهُ يعقوب وخالتهُ ليئة ، لأنّها قامت بتربيتهِ بعد وفاة اُمّه راحيل ، وقد ماتت راحيل حين ولدت بنيامين عند نفاسها (وَقَالَ) يوسف لأهلهِ (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ )174 لأنّ يوسف خرج لاستقبالهم مع حاشيتهِ وجيشهِ إلى جاسان ، وهي في شمال بلبيس ، ومن مدنها "سفط الحنة" ، وأسكنهم هناك في بادئ الأمر لأنّها أرضٌ خصبة ذات مرعى وكانت لهم مواشي كثيرة فلذلك اختار لهم ذلك المكان ، ثمّ أعطاهم مُلكاً في أرض رعمسيس وأسكنهم فيها ، وأخذ معهُ أباهُ وخمسةً من أخوتهِ إلى مصر وقدّمَ اباهُ إلى الملِك فقال هذا أبي ، فاحترمهُ الملِك وعظّمهُ وأجلسهُ إلى جنبه على العرش ، أي على تختِ المملكة وقال لحاشيتهِ وعبيدهِ ومن حضرَ عندهُ : "اُسجدوا ليعقوب سجود تحيّة " ، فسجدوا لهُ . وهذا معنى قوله تعالى :

------------------------------------

171 :هو عِطرٌ يُستخرَج من زهرٍ أبيض صغير بهيئة عناقيد مدلاّة في أشجار . ولعلّهُ ورد رازقي .

172 :هو ثمرُ شجر أحمر اللّون .

173 :هو نوع من العلوك .

174 :دخل اليهود مصر عام 1656 ق م عن طريق يوسف في عهد الملك أبو فيس ملِك الهكسوس في الاُسرة السادسة عشرة ، ثمّ دار الزمان وجاء أحمس الأوّل أوّل ملوك الأسرة الثامنة عشرة الّذينَ طرَدوا الهكسوس (الملوك الرعاة) ، ثمّ جاء رعمسيس الثاني فرأى أنَ بني إسرائيل يتضاعف عددهم ويتزايد نسلهم وكانوا قد ناصَروا الهكسوس من قبل فخاف أن يكونوا عوناً لأعدائهِ فاستخدمهم في أشقّ الأعمال لإضعاف قوّتهم وأمعن في تفريقهم شيعاً وأحزاباً . وخرجوا من مصر سنة 1218 ق م مع موسى .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم