كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
91 - (سَتَجِدُونَ) أيّها المسلمون قوماً (آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ ) أي يريدون أن يأخذَوا الأمان لأنفسهم منكم ومن قومهم فإذا جاؤوا إليكم قالوا نحن معكم ضِدّ قومنا ، وإذا رجعوا إلى قومهم قالوا إنّا معكم ضِدّ المسلمين ، ثمّ أخبر الله تعالى عنهم بأنّهم يزدادون كفراً ونفاقاً كلّما رجعوا إلى قومهم وليسوا بمسلمين كما يزعمون فقال (كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا ) والمعنى : كلّما رجعوا إلى قومهم فتنوهم عن دينكم وأرجعوهم إلى الكفر وأغرقوهم في تضليلهم وكذبهم على المسلمين (فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ ) يعني فإن لم يعتزلوا قتالكم (وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ) أي ويستسلموا لأوامركم ويُصالحوكم (وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ ) عن أذاكم (فَخُذُوهُمْ) أسرى (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ ) أي حيث وجدتموهم إن أمكنكم ذلك (وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ) أي جعلنا لكم سلطة بيّنة عليهم بالنصر .
92 - (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا ) معناه من قتل مسلماً مؤمناً مُتعمّداً فهو ليس بمؤمن بل القاتل كافر وجزاؤهُ جهنّم ، ثمّ استثنى قتل الخطأ فقال تعالى (إِلاَّ خَطَئًا ) يعني إذا وقع القتل خطأً فليس جزاؤهُ جهنّم ولكن عليه تحرير رقبة مؤمنة على وجه الكفّارة ، وذلك قوله تعالى (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ) يعني وعليه أيضاً دية المقتول يُسلّمها إلى أهله وورثتهِ (إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ ) يعني إلاّ أن يتصدّق أولياء المقتول وأهله بالدية على عائلة القاتل ، وذلك إن كان أهل المقتول أغنياء وأهل القاتل فقراء فيستحبّ أن يتصدّقوا عليهم .
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ حكم المقتول إن كان من قوم كافرين ولكنّه وحده مؤمن فقال (فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ ) دون أهله وعشيرته (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ) أي فعلَى القاتل عِتق رقبة مؤمنة وليس عليه دِيَة ، لأنّ أهل المقتول كافرون والكافر لا يرث المسلم (وَإِن كَانَ ) المقتول (مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ ) أي شروط ومواثيق على تأدية الدِيَة (فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ) يعني فعليه الإثنان الدِيَة وعِتق الرقبة (فَمَن لَّمْ يَجِدْ ) مالاً ليعتق رقبة (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) يعني فعليه أن يصوم شهرين متتابعين لا يفصل بينهما بإفطار يوم واحد (تَوْبَةً) يتوبها القاتل وكفّارة لهُ عن إثمهِ ومغفرة (مِّنَ اللّهِ ) لخطئه إن سلّم الدِيَة (وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا ) بأفعالكم (حَكِيمًا) فيما يأمركم به وينهاكم عنه .
93 - (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ) يوم القيامة (وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ ) في الآخرة (عَذَابًا عَظِيمًا ) .
94 - نزلت هذه الآية في اُسامة بن زيد وأصحابه ، بعثهم النبيّ في سريّة فلقوا رجلاً قد انحازَ بغنمٍ له إلى جبل وكان قد أسلم ولم يعلموا بإسلامهِ ، فقال لهم السلام عليكم لا إلاهَ إلاّ الله محمّد رسول الله . فظنّوا أنّه يقولها خوفاً من القتل وليس مسلماً في الحقيقة ، فبادر إليه اُسامة فقتله واستاقوا غنمهُ ، فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ ) أي خرجتم (فِي سَبِيلِ اللّهِ ) للجهاد وغيره (فَتَبَيَّنُواْ) أي ميّزوا وحقّقوا بين الكافر والمؤمن (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ ) يعني لمن انقادَ لكم واستسلمَ لأمركم (لَسْتَ مُؤْمِنًا ) فلا تكذّبوه ولا تقتلوه (تَبْتَغُونَ) أي تطلبون بقتلهِ (عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يعني تطلبون الغنيمة والمال الّذي لا بقاء لهُ . فالعَرَض هو المال الّذي يأتيك بلا تعب ، ومن ذلك قول جرير يمدح عبد العزيز:
فَلا هُوْ مِنَ الدُنْيَا مُضِيْعٌ نَصِيبَهُ وَلا عَرَضُ الدّنْيَا عَنِ الدِّينِ شاغِلُهْ
(فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) تحصلون عليها في المستقبل إن أطعتموهُ (كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ ) أي كنتم في بادئ الأمر تُخفون إسلامكم تَخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم (فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ ) بالنصر والظفَر فزال الخوف عنكم وأظهرتم إسلامكم (فَتَبَيَّنُواْ) في المستقبل ولا تستعجلوا في القتل حتّى تتحقّقوا (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) فلا تَخفَى عليهِ خافية من أعمالكم .
95 - (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ ) عن الجهاد (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) أي ليسوا سواءً في الأجر والمنزلة عند الله ، ثمّ استثنى منهم من له عُذرٌ كالأعمَى والأعرج والمريض فقال تعالى (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ ) منهم (وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ) أعظمُ درجةً عند الله (فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ) في الدنيا (وَكُـلاًّ) من الفريقين (وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) في الآخرة (وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) في الآخرة .
96 - (دَرَجَاتٍ مِّنْهُ ) في الجنان (وَمَغْفِرَةً) لذنوبهم (وَرَحْمَةً) لهم في البرزخ (وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا ) للمجاهدين (رَّحِيمًا) بالمؤمنين الموحِّدين .
97 - أظهر بعض المشركين إسلامهم في مكة ولكنّهم رجعوا إلى إشراكهم ولم يهاجروا إلى المدينة ، وبقي بعض من أسلمَ على إسلامهم ولكنّهم لم يهاجروا إلى المدينة لعدم استطاعتهم على السفَر ، لأنّ بعضهم شيوخ وبعضهم نساء وأولاد صغار ، فنزلت فيهم هذه الآية (إِنَّ الّذينَ تَوَفَّاهُمُ ) أصلها تتوفّاهم فحُذِفت إحدى التائين للتخفيف ، والمعنى : إنّ الّذينَ يُقتَلون أو يموتون من المشركين تقبضُ أرواحهم (الْمَلآئِكَةُ) وهم ملائكة الموت (ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) لأنّهم أدخلوها جهنّم بسبب كفرهم وامتناعهم عن الهجرة مع النبيّ (قَالُواْ) يعني الملائكة تقول لهم بعد انفصالهم عن أجسامهم بالموت (فِيمَ كُنتُمْ ) يعني في أيّ شيء كنتم مشغولين عن دينكم؟ (قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ ) يستضعفنا أهل الشِرك في أرضنا بكثرة عددهم وقوّتهم ويمنعوننا من الإيمان بالله وحده واتّباع رسوله ، وهذا على وجه الاعتذار (قَالُواْ) أي الملائكة (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ) أي فتخرجوا من أرضكم إلى أرض يحرسكم أهلها من المشركين ، ثمّ قال الله تعالى (فَأُوْلَـئِكَ) الكافرون (مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) يأوون إليها ويسكنون فيها (وَسَاءتْ مَصِيرًا ) يعني ساءت أحوالهم وساء مصيرهم فيها .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |