كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
91 - ولَمّا أراد النبيّ الخروج إلى غزوة تبوك جاءهُ نفرٌ من الأنصار ضُعفاء لا يستطيعون الذهابَ معهُ ، ونفرٌ مرضى يستأذنونهُ في القعود عن الجهاد فأذِنَ لهم ، وجاءهُ نفرٌ من الأنصار فقراء ليس لهم دواب يركبونها في السفر ولا مال لنفقة السفر ، فقالوا : يا رسول الله احملنا معك على دواب لنخرج إلى الجهاد في سبيل الله ، فقال النبيّ : لا أجدُ ما أحملكم عليه من دواب ، فرجعوا عنه وهم يبكون حُزناً على فوات الفُرصة للخروج إلى الجهاد ، فنزلت فيهم هذه الآيات (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء ) حرج (وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى ) حرج في القعود عن القتال (وَلاَ عَلَى ) الفقراء (الّذينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ ) في السفر (حَرَجٌ) أي ليس عليهم إثمٌ في التخلّف عن القتال (إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ ) في أقوالهم وأفعالهم ، يعني إذا استمرّوا على هذه العقيدة وهذه النصيحة (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ) أي من طريق إلى العتاب أو العذاب لأنَّهم مُحسنون لا يقع عليهم العتاب ولا العذاب (وَاللّهُ غَفُورٌ ) لهم (رَّحِيمٌ) بهم .
92 - (وَلاَ عَلَى الّذينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ) على دواب إلى الجهاد (قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ) من خيل ولا إبِل ولا غير ذلك (تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا ) على فوات الفُرصة للخروج إلى الجهاد (أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ) يعني لأنَّهم لا يجدون ما ينفقون في السفَر .
93 - (إِنَّمَا السَّبِيلُ ) في التأنيب والعقاب (عَلَى الّذينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ ) في القعود عن القتال (وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ) قادرون على نفقة السفر وعلى شراء الخيل للركوب عليها (رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ) الأطفال والصبيان (الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) بالرّين لأجل بُخلهم وحُبّهم للمال وتركهم للجهاد (فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) العاقبة .
94 - ثمَّ خاطبَ المؤمنين فقال تعالى (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ ) أي المنافقون الّذينَ تخلّفوا في المدينة ولم يذهبوا مع النبيّ للجهاد (إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ) من تبوك (قُل) يا محمّد لهؤلاء المنافقين (لاَّ تَعْتَذِرُواْ ) بأعذارٍ كاذبة (لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ ) أي لن نُصدّقكم فيما تقولون (قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ) وحقيقة أمركم (وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ ) ويحصيه عليكم (وَرَسُولُهُ) يشهد عليكم بما عملتم يوم القيامة (ثُمَّ تُرَدُّونَ ) بعد موتكم (إِلَى) الله (عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) يعني عالِم بما غاب من أعمالكم عن الناس وما شاهدَتهُ الناس بأعينها (فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) من أعمالٍ سيئة .
95 - (سَيَحْلِفُونَ) المنافقون (بِاللّهِ لَكُمْ ) أيها المؤمنون (إِذَا انقَلَبْتُمْ ) من تبوك (إِلَيْهِمْ) يعني إلى المتخلّفين المنافقين (لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ ) ولا تؤذوهم (فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ ) ولا تقربوهم (إِنَّهُمْ رِجْسٌ ) أي مرضَى بمرض نفسي فاحذروهم لئلاّ تصيبَكم منهم عدوى (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) يأوون إليها يوم القيامة (جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) من أعمال سيئة وعادات ذميمة وكفرٍ ونفاق .
96 - (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) .
97 - ثمَّ وصفَ المنافقين من الأعراب وهم سُكّان البوادي فقال تعالى (الأَعْرَابُ) يُريد بالأعراب الّذينَ كانوا حول المدينة (أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا ) من سُكّان المدينة ، أي الّذينَ سبق ذكرهم من المنافقين ، والمعنى : أنَّ سُكّان البوادي إذا كانوا كفّاراً أو منافقين فهم أشدُّ كفراً من أهل الحضَر لبُعدهم عن أماكن العِلم واستماع المواعظ والحُجَج ومُشاهدة المعجزات . يُقال "رجلٌ عربيّ " إذا كان من سُكّان المدن ، و"رجلٌ أعرابيّ " إذا كان من سُكّان البادية ، والعرب صِنفان : عدنانيّة وقحطانيّة ، وقوله (وَأَجْدَرُ) بالكفر لأنَّهم (أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ ) يعني لأنَّهم ليسوا في المدينة ليسمعوا المواعظ فيتَّعِظوا ويسمعوا القرآن فيعلموا حدود ما أنزل الله فيهِ من أحكام (وَاللّهُ عَلِيمٌ ) بأحوالهم (حَكِيمٌ) فيما يُعاملهم بهِ .
98 - (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا ) يعني ومنهم مَن يَحسَبُ أنَّ الّذي أنفقهُ من المال كان خسارةً عليه قد ذهبَ أدراج الرياح فلا يُثاب عليهِ (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ) أي ينتظر بكم صروف الزمان وحوادث الأيّام ، يعني ينتظرون موت النبيّ ليرجعوا إلى دين المشركين ، ثمَّ ردَّ عليهم سُبحانهُ فقال (عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ ) يعني ما يتوقَّعونهُ من بلاءٍ يحلُّ بالمسلمين فهو واقعٌ بهم (وَاللّهُ سَمِيعٌ ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بأفعالهم .
99 - كان لِأَبِي الدَّحْدَاحِ بستانان فأهدى واحداً منهما إلى النبيّ (ع) فنزلت هذه الآية (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) أي ويؤمن بيوم القيامة (وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ ) في سبيل الله (قُرُبَاتٍ) تقرّبهُ (عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ) أي البُستان الّذي وصلَ به الرسول أيضاً يعتقد أنّها تقرّبهُ عند الله ، والتقدير : يتّخذُ ما ينفقُ في سبيل الله قُرُباتٍ عند الله ويتّخذ الصِلات إلى الرسول قُرُبات أيضاً . ثمَّ أيّدَ الله تعالى حُسنَ نواياهم فقال (أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ) كما يعتقدون (سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ ) في الآخرة ، أي في جنّتهِ (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ ) للمُنفقين في سبيله (رَّحِيمٌ) بالمؤمنين .
100 - ثمَّ عطفَ سُبحانهُ على من تقدّم ذكرهم من الأعراب الّذينَ آمنوا باللهِ واليوم الآخر فقال : (وَالسَّابِقُونَ) إلى الإيمان (الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ) يعني الّذينَ هاجروا إلى الحبشة ثمَّ إلى المدينة (وَالأَنصَارِ) يعني والسابقون إلى الإيمان من الأنصار (وَالّذينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ) أي بأعمال الخير والدخول في دين الإسلام بعدهم وسلكوا نهجهم (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ ) لأنَّهم استجابوا لله وللرسول (وَرَضُواْ عَنْهُ ) لِما أعطاهم من الكرامة والشرف في الدنيا ومن الثواب والنعيم في الآخرة (وَأَعَدَّ لَهُمْ ) أي هيّأ لهم (جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .
------------------------------------![]() |
![]() |
![]() |
||
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
![]() |
![]() |
![]() |
|
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |