كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
94 - (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ ) يعني إن كانت الجنّة لكم خاصّة دون المسلمين (فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ ) كي تذهبوا إلى الجنّة وتنعموا فيها (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) بأنّ الجنّة خاصّة لكم دون غيركم .
95 - (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) من أعمال سيّئة وجرائم كثيرة (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ ) فيدخلهم جهنّم بدل الجنّة .
96 - (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ) يعني أحرص من جميع أهل الأديان السماويّة (وَ) أحرص (مِنَ الّذينَ أَشْرَكُواْ ) كالمجوس وعبَدَة الأوثان . ثمّ بيّنَ سُبحانهُ زيادة حِرصهم على البقاء في دار الدُنيا فقال تعالى (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) يعني يتمنّى لو يعيش هذه المدّة من السنين (وَمَا هُوَ ) يعني عُمْرهُ (بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ ) يعني وما عمرهُ بمخلّصهِ من عذاب جهنّم ، والزحزحة معناها التنحية ، يعني لا يتنحّى عن العذاب ولو قليلا ، ومن ذلك قول الشاعر :
وَقَالُوا تَزَحْزَحْ مَا بِنَا فَضْلُ حَاجَةٍ إلَيْكَ وَمَا مِنَّا لِوَهْيِكَ راقِعُ
(أَن يُعَمَّرَ ) أي مهما عمّر ، فلفظة زحزح ، يعني لا يتزحزح عنها ولا يخرج منها ، ومِثلها في سورة آل عمران قوله تعالى {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } .
والمعنى : إنّ إطالة عمر الإنسان لا تُنجيهِ من العذاب ، بل تقوى الله والأعمال الصالحة تُنجي الإنسان من العذاب ، (وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) فيعاقبهم على أعمالهم السيّئة في الآخرة .
97 - سأل النبيّ (ع) بعضُ اليهود فقالوا من يأتيك بالوحي؟ فقال جبرائيل يأتيني بهِ ، فقال أحدهم لرفقائه باللغة العِبريّة إنّي عاديت جبرائيل ولا أودّه بعد اليوم فلماذا ينزل بالوحي على رجل من العرب ولا ينزله علينا ؟ فنزلت هذهِ الآية (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء اليهود (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ ) يعني إنّ جبرائيل نزل بالوحي على قلبك يا محمّد بإذن الله وليس باختياره ، فما ذنب جبرائيل معهم فيعادونهُ؟ (مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) يعني جبرائيل مُصدّقاً للكتاب الذي بين يدي محمّد (وَهُدًى) لمن يهتدي به ، يعني القرآن (وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) بدخول الجنة .
98 - (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) بالله وبملائكته وبرُسُلِهِ .
99 - (وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ) يا محمّد (آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) تدلّ على صِدقك وعلى رسالتك (وَمَا يَكْفُرُ بِهَا ) أي وما ينكرها ويجحدها (إِلاَّ الْفَاسِقُونَ ) يعني سيّؤو الأخلاق الخارجون عن طاعة الله .
100 - (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ ) الله (عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ) يعني من اليهود ، ويريد بذلك العهود التي أخذها عليهم أنبياؤهم بأن لا يُشركوا ولا يقتلوا ولا يفسقوا ، فنبذ العهد فريق من اليهود الماضين . والألف من قوله (أَوَكُلَّمَا) للاستفهام ، ومعناهُ أيفعل اليهود الحاضرون كما فعل الماضون؟ وهنا حذفٌ في الكلام ، وتقديرهُ "وهم غير مؤمنين" ، ولذلك قال بعدها (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) يعني أكثرهم نبذوا العهود وهم مع ذلك غير مؤمنين .
ومن جملة العهود التي نبذها اليهود ما كان بين رسول الله وبين بني قريظة والنضير : عاهدوا أن لا يعينوا عليه أحداً بالحرب فنقضوا ذلك العهد وأعانوا عليه قُريشاً يوم الخندق .
101 - (وَلَمَّا جَاءهُمْ ) أي اليهود (رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ ) يعني محمّداً (مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ ) من أمر التوحيد ونبذ الأصنام (نَبَذَ) أي رفضَ وتركَ (فَرِيقٌ مِّنَ الّذينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ) يعني من علماء اليهود (كِتَابَ اللّهِ ) يعني التوراة (وَرَاء ظُهُورِهِمْ ) يعني تركوها ونبذوها ولم ينظروا فيها ويتصفّحوها ليطابقوا صفة محمّد مع صفة الأنبياء ، ودعواهُ إلى التوحيد كما دعت الأنبياء ، وأعماله كما عملوا ، ونبذه الأصنام وتكسيرها كما فعلوا في الماضي ، وبذلك يعلمون أنّه رسول من ربّ العالمين إذْ طابقت أعماله أعمال الأنبياء وذلك إنْ خَفِيَ عليهم إسمه في التوراة وضاعت صفاته في الرقوق التي مزّقها ملك بابل نبوخذ نصّر ، ولكنّهم نبذوا التوراة ولم يلتفتوا إلى الصفات وتركوا الأدلّة والبيّنات وقالوا إنّما هو ساحر اجتمع عليه أهل الفلاة ، فتجاهلوا أمرهُ وأنكروا صِدقهُ ورفضوا قولهُ حسداً منهم لِما جاءَ بهِ من العِلم وتكبّراً لِما دعا إليه من الدِين (كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) قصص الأنبياء الماضية وأسفارهم الباقية ، فيفهموا أنّه ليس ساحراً بل هو رسول من ربّ العالمين .
102 - (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ ) يعني علماء اليهود تتبّعوا قول الشياطين وقالوا كقولهم (عَلَى مُلْكِ سُليمان ) يعني قالت اليهود في محمّد كما قالت الشياطين في ملك سُليمان . فإنّ الشياطين قالوا لم ينل سُليمان هذا الملك إلاّ بسحره ، وكذلك اليهود قالوا إنّ محمّداً لم ينل هذه المنزلة ولم يجتمع إليه الناس إلاّ بسحرِه ، وذلك لشدّة حسدهم وبُغضهم إيّاه .
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ سُليمان لم يعمل بالسِحر ولم يكتم الحقّ كما كتمه هؤلاء اليهود فقال (وَمَا كَفَرَ سُليمان ) فكلمة "كفر" معناها تغطية الشيء وكتمانه ، ومن ذلك قول الشاعر اليمني :
فَلَا تَكفُرُوا مَا قَدْ صَنَعْنَا إِلَيْكُمُ وكافُوا بِهِ فالكُفْرُ بورٌ لِصانِعهِ
والمعنى : ما كتم سُليمان الحقّ ولا عمل بالسِحر ، (وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ ) أي كتموا الحقّ وعملوا بالسِحر ، وقد ضرب الله مثَلاً في هذه الآية فجعل محمّداً مقام سُليمان ، وهؤلاء اليهود مقام الشياطين ، والمعنى : لقد قلتم أيّها اليهود في شأن محمّد كما قالت الشياطين في شأن سُليمان ولكنّ الأمر عكس ذلك ، فإنّ محمّداً ليس ساحراً ولا كافراً بل أنتم كافرون إذْ كتمتم الحقّ في شأن نبوّته وأخفيتم على الناس حقّهُ مع عِلمكم بصحّةِ قولهِ وإيضاح تبيانه . ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ السِّحر من عادات اليهود وأعمالهم لا من أعمال المسلمين ونبيّهم فقال (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) فهم شياطين الإنس (وَ) يعلّمون الناس أيضاً (مَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ ) أي ما اُنزلَ عليهما من الذلّ والفرقة بسبب الأسر ، والملِكان هما من ملوك بني إسرائيل وكانا من جملة الأسرى الّذينَ أخذهم نبوخذنصّر إلى أرض بابل في العراق ، وهما (هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) وكانا يعلّمان الناس التفرقة بين الزوجة وزوجها ويأخذان أجرة على ذلك .
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ بأنّ الرجُلين وإن كانا ساحرَين ولكن لا يغشّان الناس ولا يكتمان الحقّ كهؤلاء اليهود الّذينَ كتموا أمر محمّد بعد أن اتّضح لهم أنّه نبيٌّ ، فقال تعالى (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ ) من الناس (حَتَّى يَقُولاَ ) له (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ ) أي مِحنة واختبار (فَلاَ تَكْفُرْ ) أي فلا تعمل بالسحر فتكتم الحقّ (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) أي بين الرجُل وزوجتهِ (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) والمعنى : وما أهل بابل بضارّين اليهود بالأسر إلاّ بإذن الله ، لأنّ اليهود كفروا وفسقوا وأشركوا فسلّط الله عليهم ملك بابل فأضرّ بهم (وَيَتَعَلَّمُونَ) أهل بابل من الملِكين (مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ) أي ما يضرّ بقومهم وأهل بلدتهم ، ومعلوم ما في ذلك من الضرر ، لأنّهم يُفرّقون بين الزوجين (وَلَقَدْ عَلِمُواْ ) أهل بابل (لَمَنِ اشْتَرَاهُ ) أي لمن اشترى ذلك السِحر من الملِكين وتعلّمهُ منهما (مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ) وهنا حذف في الكلام تدلّ عليه اللّام من قوله (لَمَنِ ) والتقدير : ولقد علموا لمن اشتراه عذاباً وما له في الآخرة من خلاق ، أي من نصيب في الجنّة ، لأنّ الساحرَين كانا يشترِطان على الناس فيقولان : من تعلّم منّا هذا السِحر وعمل بهِ فله عذاب يوم القيامة وما لهُ في الجنّة من نصيب .
فكان بعض الناس يقبل بهذا الشرط ويتعلّم منهما ، وبعضهم لا يقبل بذلك . ثمّ عادَ سبحانهُ إلى ذمّ اليهود فقال (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ ) أي بئس المال الذي أبدلوهُ بأنفسهم ، لأنّهم ألقَوا بأنفسهم في جهنّم لأجل المال والرئاسة ، ومن ذلك قول المسيّب بن علَس :
يُعْطَى بِها ثَمَناً وَيَمنَعُها وَيَقولُ صاحِبُهُ أَلا تَشري
(لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) العاقبة .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |