كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
95 - (سَيَحْلِفُونَ) المنافقون (بِاللّهِ لَكُمْ ) أيها المؤمنون (إِذَا انقَلَبْتُمْ ) من تبوك (إِلَيْهِمْ) يعني إلى المتخلّفين المنافقين (لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ ) ولا تؤذوهم (فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ ) ولا تقربوهم (إِنَّهُمْ رِجْسٌ ) أي مرضَى بمرض نفسي فاحذروهم لئلاّ تصيبَكم منهم عدوى (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) يأوون إليها يوم القيامة (جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) من أعمال سيئة وعادات ذميمة وكفرٍ ونفاق .
96 - (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) .
97 - ثمَّ وصفَ المنافقين من الأعراب وهم سُكّان البوادي فقال تعالى (الأَعْرَابُ) يُريد بالأعراب الّذينَ كانوا حول المدينة (أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا ) من سُكّان المدينة ، أي الّذينَ سبق ذكرهم من المنافقين ، والمعنى : أنَّ سُكّان البوادي إذا كانوا كفّاراً أو منافقين فهم أشدُّ كفراً من أهل الحضَر لبُعدهم عن أماكن العِلم واستماع المواعظ والحُجَج ومُشاهدة المعجزات . يُقال "رجلٌ عربيّ " إذا كان من سُكّان المدن ، و"رجلٌ أعرابيّ " إذا كان من سُكّان البادية ، والعرب صِنفان : عدنانيّة وقحطانيّة ، وقوله (وَأَجْدَرُ) بالكفر لأنَّهم (أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ ) يعني لأنَّهم ليسوا في المدينة ليسمعوا المواعظ فيتَّعِظوا ويسمعوا القرآن فيعلموا حدود ما أنزل الله فيهِ من أحكام (وَاللّهُ عَلِيمٌ ) بأحوالهم (حَكِيمٌ) فيما يُعاملهم بهِ .
98 - (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا ) يعني ومنهم مَن يَحسَبُ أنَّ الّذي أنفقهُ من المال كان خسارةً عليه قد ذهبَ أدراج الرياح فلا يُثاب عليهِ (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ) أي ينتظر بكم صروف الزمان وحوادث الأيّام ، يعني ينتظرون موت النبيّ ليرجعوا إلى دين المشركين ، ثمَّ ردَّ عليهم سُبحانهُ فقال (عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ ) يعني ما يتوقَّعونهُ من بلاءٍ يحلُّ بالمسلمين فهو واقعٌ بهم (وَاللّهُ سَمِيعٌ ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بأفعالهم .
99 - كان لِأَبِي الدَّحْدَاحِ بستانان فأهدى واحداً منهما إلى النبيّ (ع) فنزلت هذه الآية (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) أي ويؤمن بيوم القيامة (وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ ) في سبيل الله (قُرُبَاتٍ) تقرّبهُ (عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ) أي البُستان الّذي وصلَ به الرسول أيضاً يعتقد أنّها تقرّبهُ عند الله ، والتقدير : يتّخذُ ما ينفقُ في سبيل الله قُرُباتٍ عند الله ويتّخذ الصِلات إلى الرسول قُرُبات أيضاً . ثمَّ أيّدَ الله تعالى حُسنَ نواياهم فقال (أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ) كما يعتقدون (سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ ) في الآخرة ، أي في جنّتهِ (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ ) للمُنفقين في سبيله (رَّحِيمٌ) بالمؤمنين .
100 - ثمَّ عطفَ سُبحانهُ على من تقدّم ذكرهم من الأعراب الّذينَ آمنوا باللهِ واليوم الآخر فقال : (وَالسَّابِقُونَ) إلى الإيمان (الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ) يعني الّذينَ هاجروا إلى الحبشة ثمَّ إلى المدينة (وَالأَنصَارِ) يعني والسابقون إلى الإيمان من الأنصار (وَالّذينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ) أي بأعمال الخير والدخول في دين الإسلام بعدهم وسلكوا نهجهم (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ ) لأنَّهم استجابوا لله وللرسول (وَرَضُواْ عَنْهُ ) لِما أعطاهم من الكرامة والشرف في الدنيا ومن الثواب والنعيم في الآخرة (وَأَعَدَّ لَهُمْ ) أي هيّأ لهم (جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .
101 - ثمَّ عادَ سُبحانهُ إلى ذمّ المنافقين فقال (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ) أي حول المدينة (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ ) أي مُرِّنوا على النفاق وتعوّدوا عليه (لاَ تَعْلَمُهُمْ) أي لا تعرفهم (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ) الأولى في الدنيا نعذّبهم بالمرض والذلّ ، والثانية في الآخرة بعد الموت (ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) يوم القيامة .
102 - (وَآخَرُونَ) تابوا (اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ ) قد (خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ) فيما مضَى (عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .
103 - والّذينَ تابوا من المتخلّفين ومن المنافقين جاءوا بأموالهم إلى النبيّ لينفقها كفّارةً لذوبهم ، فامتنع النبيّ عن ذلك ، فنزل قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ) أي الصدقة تطهّرهم من دنَس الذنوب (وَتُزَكِّيهِم) أنتَ (بِهَا) أي بإنفاقها على الفقراء فيصبحوا أزكياء (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) يعني صِلْهُمْ بالغنائم في المستقبل ووزّع عليهم منها (إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ) أي سكون وطمأنينة لنفوسهم (وَاللّهُ سَمِيعٌ ) لتوبتهم (عَلِيمٌ) بصدقاتهم .فحينئذٍ أخذ النبيّ ثُلث أموالهم وأنفقها على الفقراء كفّارةً لذوبهم .
104 - (أَلَمْ يَعْلَمُواْ ) هؤلاء المنافقون الّذينَ لم يتوبوا (أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ) فيتوبوا كما تابَ إخوانهم (وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ) ويدّخرها لهم في الآخرة ، يعني يأخذ الروحاني منها ، وممّا يؤيّد هذا قولهُ تعالى في سورة آل عمران {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا } ، (وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ ) للتائبين (الرَّحِيمُ) بالنادمين .
105 - ثمَّ أخذَ سُبحانهُ في تهديد المنافقين الّذينَ لم يتوبوا فقال (وَقُلِ) لهم يا محمّد (اعْمَلُواْ) ما عملتم من خيرٍ أو شرّ (فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ ) ويُحصيهِ عليكم (وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) يشهدون عليكم بما عملتم يوم القيامة (وَسَتُرَدُّونَ) بعد موتكم (إِلَى) الله (عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) من أعمالٍ سيئة وعادات مُخزية . ثمَّ أخبرَ الله سُبحانهُ عن قسمٍ آخر من المنافقين فقال :
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |