كتاب مختصر
في المواريث
بقلم
محمد علي
حسن
كَتَبَهُ سنة
1404 هجرية
1983
ميلادية
[حقوق الطبع والنشر محفوظة
للدكتور عماد عزيز ناصر المشرف على طباعة ونشر كتب مفسّر القرآن والكتب السماوية
الراحل محمد علي حسن الحلي ]
{وَلَقَدْ
كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا
عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}
الحمدُ
لله ربِّ العالمين الذي أرسل الأنبياء والمرسَلين ، وأنزل معهم الكتُب والموازين ،
وشرّع فيها الأحكام والقوانين ، وجعل الأرض إرثاً لعباده الصالحين ، وجعل الأموال
تنتقل بالميراث من الآباء للبنين ، ليختبرهم بهِ إلى حين .
وبعد
فقد وجدتُ المسلمين مختلفين في الميراث لأنهم لم يفهموا بعض آيات الميراث التي
جاءت في القرآن فلذلك اختلفوا في أحكام الميراث فصار أبناء الشيعة يورّثون خلاف ما
يورّث أبناء السنة ، فلذلك صار لزاماً عليّ أن أشرح آيات الميراث واُبيّن طريقة
القسمة للناس فيما بينهم لعلّهم يُصيبون الحقيقة ، والله الموفّق للصواب ,
محمد علي حسن
إختلف
علماء السنة وعلماء الجعفريّة في تقسيم المواريث ، فكلٌّ من الطرفين يُفتي بما
توصّل إليهِ من معلومات ، فتكون بعض فتواه مُصيبة وأكثرها خاطئة .
وإليك
بعض ما جاء في كتاب (الوصايا والمواريث) للمؤلّف حسين علي الأعظمي كشاهد على ما
أقول :
أولاً
- لقد جاء في صفحة 182 بعنوان : "من يستحق الثلثين من الميراث" يستحقّهُ
أربعة :
أ
- البنت الصلبية ، ب- بنت الإبن ، ج - الأُخت الشقيقة ، د - الأُخت لأب .
وعند
الجعفرية ثلاثة وهنّ البنت الصلبية والأُخت الشقيقة والأُخت لأب .
أقول
وهذهِ ليست قاعدة ثابتة .
ثانياً
- جاء في صفحة 183 "من يستحق السدس" يستحقّهُ سبعة وهم :
أ- الأب من ابنه أو من ابنته عند وجود الفرع الوارث للمذكّر
المتوفّى . أقول وهذه أيضاً (ليست قاعدة ثابتة)
ب- الجدّ الصحيح بشرط وجود الفرع الوارث وعدم الأب . أقول
وهذه أيضاً (ليست قاعدة ثابتة.)
وعند
الجعفرية الجدّ مُطلقاً يرث بالقرابة في درجته الثانية . أقول وهذه أيضاً (ليست
قاعدة ثابتة)
ج- الأُم من ابنها أو ابنتها بشرط أن يكون لولدها المتوفّى
فرع وارث ، أو إثنان من الإخوة أو الأخوات أو منهما .
وعند
الجعفرية يجب أن تكون الأخوات أربعاً ، أو اثنتين عند اجتماعهنّ مع الأخ .
د- الجدّة الصحيحة أو الجدّات : بشرط عدم وجود من يحجبها كأُم
المتوفّى وأب المتوفّى إن كانت من جهة الأب ، وإذا كنّ جدّات في درجة واحدة
فإنّهنّ يشتركنَ في السُدس . (خطأ) .
وعند
الجعفرية الجدّة لا ترث بالفرض بل ترث بالقرابة فقط في درجتها الثانية . أقول (وهذه
المسألة خطأ) .
و- وجاء في صفحة 184 : "وبنت الإبن ترث من جدّها أو
جدّتها إذا وُجدت معها بنت صلبية عند عدم الحاجب والمعصب ."
أمّا عند الجعفرية فلا يورّثونها بالفرض بل تقوم مقام أبيها وترث بالقرابة .
ز- الاُخت لأب ترث من أخيها لأب أو اُختها لأب إذا كانت
معها اُخت شقيقة للمتوفّى أو المتوفّاة ولم يوجد حاجب ومعصب .
وعند
الجعفرية لا ترث .
أ- وجاء في صفحة 185 : "يرث الأب بطريق الفرض فقط :
وهو السدس ، وذلك مع الإبن وإبن الإبن وإن نزل ."
وعند
الجعفرية يرث مع بنت الإبن ايضاً لأنها عندهم تقوم مقام أبيها .
ب- يرث الأب بطريق الفرض والتعصب معاً : وذلك مع البنت
وبنت الإبن وإن نزل أبوها . فيأخذ الأب في هذه الحالة زيادة على فرضه ما يتبقّى من
أصحاب الفروض .
وعند
الجعفرية : للأب الفرض فقط مع بنت الإبن وإن نزلت ، وهو السدس .
وجاء
في صفحة 187 : "ثالثاً – إذا كان للمتوفّى أشقّاء أو إخوة لأب مع الأب ، فإنّهم
يسقطون بالأب . ولو كان بدل الأب جدّ فإنهم يرثون مع الجدّ عند الإمامين والشافعي
، أما عند أبي حنيفة فحكمه بهذه المسألة حكم الأب أيضاً .
وعند
الجعفرية الجد صحيحاً كان أو فاسداً لا يرث مع فروع الميت ذكراً كان أو اُنثى ."
ميراث
الزوجة
وجاء
في صفحة 189 "إرث الزوجة يكون من جميع تركة زوجها نقوداً أو عروضاً أو أراضي
مملوكة أو بساتين وغيرها ."
وعند
الجعفرية لا ترث من الأراضي لا عيناً ولا قيمةً ولا من البناء والأشجار والنخيل
عيناً ، بل ترث من قيمتها .
وجاء
في صفحة 190 "لبنت الإبن ستّ حالات :
أولاً- النصف إذا انفردت عن البنت الصلبية وابن الإبن ، مثال
ذلك : شخص توفّي عن (بنت إبن ، وأخ شقيق) فلبنت الإبن فرضها النصف وهو (واحد)
وللأخ الشقيق الباقي وهو (واحد) أيضاً .
وعند
الجعفرية الجميع لبنت الإبن بالفرض والقرابة ولا شيء للأخ لبُعد درجته .
ثانياً- الثلثان : للإثنتين فأكثر إذا لم توجد بنت صلبية ، مثال
ذلك توفّي شخص عن (ثلاث بنات إبن ، وأخ
شقيق) فللثلاث بنات إبن فرضهنّ الثلثان وهو (إثنان) وللأخ الشقيق الباقي وهو
(واحد) .
وعند
الجعفرية الجميع لبنات الإبن بالفرض والقرابة ولا شيء للأخ لبُعد درجتهِ . وقالت
الجعفرية : إنّ بنات الإبن في القول الصحيح يقمنَ مقام آبائهنّ ولا يرثنَ مع
الصلبيات واحدة كانت أو اثنتين فصاعداً ، ويسقطنَ بالإبن .
خامساً-
سقوطهنّ :بالإبن
وإبن الإبن ، وإن نزل وبالأب والجدّ الصحيح وإن عَلَا .
مثال
ذلك توفّي شخص عن (زوجة ، وأخ شقيق واُخت شقيقة وإبن) فأصل المسألة من
(ثمانية) للزوجة فرضها الثُمن وهو (واحد) وللإبن الباقي وهو (سبعة) أما الأخ
الشقيق والأخت الشقيقة فساقطان .
وعند
الجعفريّة : لهنّ أربع حالات . الأحوال الثلاثة المتقدّمة ، ورابعها سقوطهنّ
بالإبن وابن الإبن وإن نزل ، وبالأب وبالاُم وبالبنت وبفرع البنت وإن نزلوا.
سادساً- السُدس : مع الاُخت الشقيقة الواحدة سواء انفردت الاُخت
لأب أم تعدّدت ، إلا إذا كان لها أخ لأب فيعصبها . مثال ذلك : توفّي شخص عن (اُخت
شقيقة واُخت لأب وابن أخ) فأصل المسألة من (ستة) للاُخت الشقيقة فرضها النصف وهو
(ثلاثة) وللاُخت لأب فرضها السُدس وهو (واحد) ولابن الأخ الباقي وهو إثنان .
وعند
الجعفريّة : للأخوات لأب أربع حالات إذ هنّ كالأخوات الشقيقات عند عدم الإخوة
والأخوات لأبوين سوى أنهنّ يسقطنَ أيضاً بالأخ الشقيق وبالاُخت الشقيقة ."
وجاء
في صفحة 196 "وعند الجعفريّة : أنّ الجدّة ليست بذات فرض ، ولا ترث مع الفرع
ولا مع الأب ، أو الاُم ، أو الجدّ القريب ."
وجاء
في صفحة 198 "الوارثون بالقرابة عند الجعفرية فأصنافهم ثلاثة وهم :
أولاً الأبوان والأولاد وإن نزلوا .
ثانياً الأجداد والجدّات والإخوة والأخوات وأولاد الإخوة
والأخوات .
ثالثاً الأعمام والعمّات والأخوال والخالات للميّت أو لآبائه
واُمهاتهِ وأولادهم ."
نكتفي
بما ذكرناهُ من اختلاف بين أبناء السُنّة والجعفريّة ، لأنهم لم يفهموا الحقيقة
لذلك اختلفوا في تقسيم المواريث .
ومن
جملة الكلمات التي لم يفهم علماء التفسير معناها هذه الكلمة مع بساطتها وكثرة
قواميس اللّغة وأشعار العرب القُدماء ، فأخذوا يتخبّطون في شرحها ، فقال بعضهم
مُفرد الكلالة (كال) وقال الآخر مُفردها (كَلّ) وقال الآخر غير ذلك . فلم يعلموا
معنى الكلمة ولم يفهموا تقسيم الميراث لها .
وإليك
أحد التفاسير في معنى الكلمة وتقسيم الإرث بموجبها . ومن تلك التفاسير مجمع البيان
للطبرسي ، فقد جاء في صفحة 16 من الجزء الثالث ما يلي :
"اللّغة
أصل
الكلالة الإحاطة ، ومنهُ الإكليل لإحاطتهِ بالرأس ، ومنه الكُلّ لأحاطتهِ بالعدد ،
فالكلالة تُحيط بأصل النسب الذي هو الولد والوالد . وقال أبو مُسلم أصلها من (كَلّ)
أي أعيَى ، فكأنّ الكلالة تناول الميراث من بُعدٍ على كلال وإعياء . وقال الحسين
بن علي المغربي أصلهُ عندي ما تركهُ الإنسان وراءَ ظهرهِ ، مأخوذاً من الاكل وهو
الظهر ، تقول العرب ولاّني فُلان اكلهُ ، على وزن اطلّهُ أي ولاّني ظهرهُ ، والعرب
تخبر بهذا الإسم جُملة النسب والوراثة ." إنتهى شرح اللّغة وإليك شرح الآية
من الكتاب للطبرسي :
"المعنى
{وَإِن
كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً} اختُلِفَ في معنى الكلالة فقال جماعة من الصحابة
والتابعين منهم أبو بكر وعمر وابن عباس في إحدى الروايتين عنهُ وقتادة والزهري
وابن زيد هو من عند الوالد والولد ، وفي الرواية الاُخرى عن ابن عباس أنهُ مَن عدا
الوالد ، وقال الضحّاك والسدي أنهُ إسمٌ للميّت الذي يورث عنهُ ، والمروي عن
أئمتنا أنّ الكلالة الإخوة والأخوات والمذكور في هذهِ الآية من كان من قِبَل الاُم
منهم ، والمذكور في آخر السورة من كان منهم من قِبل الأب والاُم أو من قِبل
الآباء." إنتهى ما جاء في تفسير الطبرسي .
اُنظر كيف أخذوا يتخبّطون في معنى الكلمة وفي تقسيم الإرث بموجبها ، لقد صدق الله
تعالى حيث قال في سورة آل عمران
{وَمَا
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ} ، وقال تعالى في سورة القيامة {ثُمَّ إِنَّ
عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ، وقال تعالى في سورة ص {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ
حِينٍ} .
تكون
المواريث على ثلاثة أنواع :
الأوّل
:
هي
المواريث الماديّة كالأملاك والأموال والذهب والفضّة والنقود وغير ذلك ، قال الله
تعالى في سورة النمل {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا
لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} ، وقال تعالى في سورة مريم عن لسان زكريّا {فَهَبْ
لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ
رَبِّ رَضِيًّا} ، وقال تعالى في سورة الأحزاب {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا}.
النوع
الثاني :
هو
ميراث العلم ، قال الله تعالى في سورة الأعراف {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ
وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ
لَنَا} ، وقال تعالى في سورة فاطر {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ
اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم
مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ
الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} ، وقال تعالى في سورة غافر {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى
الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} ، وقال تعالى في سورة
الشورى {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ
مِّنْهُ مُرِيبٍ}
فالذي
يرث العلم خيرٌ من الذي يرث المال ، وفي ذلك قال الشاعر :
رَضينا قِسمَةَ الجَبّارِ فينا ==== لَنا عِلمٌ وَلِلأعداءِ
مالُ
فَإِنَّ المالَ يَفنى عَن قَريبٍ ==== وَإِنَّ العِلمَ يبقى
لا يزالُ
وقال الله تعالى في
سورة البقرة {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ
أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}.
النوع الثالث :
هو الميراث في الآخرة
ميراث الأثيريّات في الجنان ، قال الله تعالى في سورة المؤمنون {الَّذِينَ
يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وقال تعالى في سورة مريم {تِلْكَ
الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} ، وقال تعالى في
سورة الزُخرف {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ} . وميراث الآخرة أحسن من ميراث الأموال والنقود في الدنيا لأنّ ما في
الدنيا من أملاك وأموال ونقود تتركها لغيرك بموتك ولا يمكن أن تنقلها معك إلا ما
أنفقتَ منها في سبيل الله تجدها أمامك في عالم الأثير بعد موتك ، أما الذي ترثهُ
في الآخرة فهو باقٍ لا يزول ولا ينتقل لغيرك بل تستمتع به ملايين السنين ، قال
الله تعالى في سورة النساء {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ
لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} ، وقال تعالى في سورة الأنعام {وَمَا
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ
لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، وقال تعالى في سورة يوسف {وَلَدَارُ
الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} ، وقال تعالى في
سورة النحل {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ
الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
المحرومون
من الإرث ثلاثة :
أولاً القاتل مُورّثَهُ لكي يرثَهُ فلا يرث ولو كان القتل
سهواً .
ثانياً الملحد ، وهو الذي يُنكر وجود الخالق لا يرث اقرباءه
وأهله وهم يرثونه .
ثالثاً الذي يتحوّل من دين الإسلام إلى دين النصرانية أو دين
اليهودية أو غير ذلك من الأديان فلا يرث أهله وأقرباءه وهم يرثونهُ .
قال
الله تعالى في سورة النساء 6 {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا
تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ
الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا
مَّفْرُوضًا}
الشرح
:
كانت
العرب في زمن الجاهلية يورِّثون الذكور دون الإناث ، فنزلت هذه الآية تصحيحاً
لأغلاطهم :
6
- {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ}من الميراث {مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ} بعد موتهم {وَالأَقْرَبُونَ
وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ} من الميراث أيضاً {مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ}وهما الأب
والاُم {وَالأَقْرَبُونَ} أي أقرباء الميّت {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ} أي
سواء كان الميراث قليلاً أو كثيراً فللذكر مثل حظِّ الاُنثيين {نَصِيبًا
مَّفْرُوضًا} فرضه عليكم وأوجبه فلا تخالفوا شرائعهُ .
7
- ثمّ بيّن سبحانه حال من لا يرث من أقرباء الميّت فقال {وَإِذَا حَضَرَ
الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم
مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا}
الشرح
:
{وَإِذَا
حَضَرَ الْقِسْمَةَ} أي قِسمة الأموال المنقولة كالحبوب والزبيب والتمر وغير ذلك
من الأطعمة {أُوْلُواْ الْقُرْبَى} أي قرابة الميّت ، يعني الفقراء منهم الذين لا
يرثون {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} الذينَ حضروا القسمة ولو لم يكونوا من
أقرباء الميّت {فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ} أي فأعطوهم من ذلك المال ، والخطاب
للأوصياء أو للورثة البالغين إن لم يكن فيهم وصي ، ويكون ذلك الرزق من ثلث الميّت
{وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} وذلك بأن يقول لهم يُبارك الله لكم في
رزقكم ويُيسّر لكم في أمركم ويعطيكم من فضلهِ ، أو غير ذلك من كلامٍ حسن .
ثمّ
حذّر الله سُبحانهُ أولياء الأيتام من أكل مال اليتيم فقال تعالى {وَلْيَخْشَ
الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ
عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا}
الشرح
:
{وَلْيَخْشَ}
أي وليخافوا ويحذروا عقاب الله ، والمخاطَب بذلك أولياء الأيتام {الَّذِينَ لَوْ
تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ} أي من بعد موتهم {ذُرِّيَّةً ضِعَافًا} أي أولاداً
صغاراً لا قدرةَ لهم على تحصيل العيش{خَافُواْ عَلَيْهِمْ} الفقر والذُل بعد موتهم
، والمعنى لا تأكلوا أموال اليتامى بغير استحقاق ولا تؤذوهم ولا تضربوهم فإنّ لكم
أولاداً أيضاً فإن فعلتم ذلك مع الأيتام فإنّ الله سيجعل أولادكم أيتاماً ذليلين
حقيرين بعد موتكم ، أما إذا لم يَحِنْ أجلكم فسيصيبكم بفاجعةٍ مُؤلمةٍ في دار
الدنيا وفي الآخرة عذابٌ أليم .{فَلْيَتَّقُوا اللّهَ} في اليتامى فلا يأكلوا
أموالهم ولا يؤذوهم إذا بدا منهم ذنبٌ عن جهل منهم بل يُرشدوهم وينصحوهم {وَلْيَقُولُواْ}
لهم {قَوْلاً سَدِيدًا} أي قولاً معقولاً بلا سبّ ولا إهانة ، يعنى قولاً مُصيباً
، ومن ذلك قول لبيد :
آتي السّدادَ فإن كَرِهْتِ جَنابَنا ==== فَتَنقّلي في عامِرٍ وتَمِيمِ
وقال
حمزة :
أمينٌ على ما استودَعَ اللهُ قلبَهُ ==== فإن قالَ قولاً كانَ فيهِ مُسدّدا
ويجب
على وليّ اليتيم ووصيّهِ أو القيّم عليهِ أن يجعلهُ في مدرسة ليتعلّم القراءة
والكتابة على الأقل ثمّ يجعلهُ في صنعة كنجارة أو حدادة أو غير ذلك لتكون الصنعة
سبباً لمعاشهِ في مُستقبلهِ ، فقد قيل في المثل (صنعة في اليد أمانٌ من الفقر) ،
ولا يجوز أن يتركهُ بلا صنعة كي يستفيد هو من خدمتهِ .
إذا
كان الوصي على اليتيم من أعمامه فيجب أن يُقيم القاضي قيّماً عليهما من أخواله ،
ولا يكون القيّم أبا الوصي أو أخاه فيتّفق معه على أكل مال اليتيم . وإذا كان
الوصي على اليتيم من أخواله فيجب أن يُقيم القاضي قيّماً عليهما من أعمامه .
وعلى
الوصي أن يُحافظ على أموال اليتيم وأن يستثمرها بالتجارة أو بالصناعة إن أمكنه ذلك
، وأن يقوم بتربية اليتيم ويُدخله في المدرسة لكي يتعلم القراءة والكتابة على
الأقل ، ثمّ يُشغّله في صنعة كنجارة أو حدادة أو غير ذلك من الصناعات لتكون الصنعة
سبباً لمعاش اليتيم في المستقبل ، فقد قيل في المثل (صنعة في اليد أمانٌ من الفقر)
ولا يستخدمه في أشغاله أو في حانوته بدون أن يُعطيه اُجرة على عملهِ . وأن يردّ
عليه أمواله حين بلوغ الرُشد ، وأن يُشهد عليه شاهدَين على تسلّمه أمواله .
أما
واجبات القيّم أن يقوم بتربية اليتيم ويطالب الوصي بما يحتاجه اليتيم من ألبسة
وكتب وما يحتاج اليه للمدرسة ، ويُحاسب الوصي إن قصّرَ على اليتيم أو آذاهُ أو
ضربه . فقد قال الله تعالى في سورة الضحى {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ . وَأَمَّا
السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} .
وصي
الاُم هو الذي تُقيمهُ االاُم وصياً على أولادها الصغار عند وفاتها ، وليسَ للوصي
الولاية على الأولاد الصغار والتصرف في أموالهم الموروثة من اُمهم عند وجود أبيهم
أو جدّهم في قيد الحياة ، إلا إذا كان الأب فاسقاً غير مُلتزم بالدين أو كان
مُقامراً أو كان شارباً للخمر ، أو كان يُقيم في بلدٍ غير البلدة التي يقيم فيها
الأولاد الصغار ، أو كان الأب له زوجة في الحياة غير اُم الأولاد المتوفّاة ،
فحينئذٍ للوصي الولاية على أموال الأولاد الصغار المنقولة أن يبيع منها ما هو
مُعرّض للتلف ويحفظ ثَمنهُ للأولاد ، أو يصرفهُ في شراء ما يحتاجونهُ من طعام
وشراب ولباس ومسكن وغير ذلك من أدوات للمدارس . وعليهِ أن يُسلّمهم ما بقيَ من
أموالهم عند بلوغ الرُشد ويشهد عليهم شاهدَين بتسليم أموالهم إليهم .
[سورة
النساء] 9 {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} يعني بغير
استحقاق {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} يعني سيؤدّي بهم ذلك الأكل
الذي أكلوه في الدنيا إلى النار في الآخرة {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} يعني
يتعذّبون بنارٍ مُستعرة مُتوهّجة .
وقال
تعالى في سورة الأنعام آية 152 {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ
وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ}
الشرح
:
{وَلاَ
تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ} بالخيانة {إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي لا
تتصرّفوا في مال اليتيم إلا بالطريقة الحُسنى ، يعني إلا بتثمير ماله بالتجارة أو
الصناعة ليزداد ماله ويربح بها . فإن ربحتَ بمال اليتيم فلهُ ربع الربح ولك الباقي
من الربح ، وإن خسرتَ فعليكَ الخسارة وليس على اليتيم شيء منها . فالوصي يجب عليهِ
أن يُحافظ على أموال اليتيم {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} فحينئذٍ يدفع المال إليهِ
ويشهد عليه شاهدَين بتسليم ماله إليه .
وقال
تعالى في سورة الضحى {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ . وَأَمَّا السَّائِلَ
فَلَا تَنْهَرْ} أي لا تَقهرْهُ بكلامٍ يؤذيه إذا سألك أو جادلك .
[سورة النساء] 10{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ
ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ
اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا
النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ
إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ
فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن
بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا
تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا.}
: الشرح
ثم بيّن الله تعالى ما أجملهُ في ما تقدّم من قولهِ [في سورة النساء آية 7 ] {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا
تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} بما
فصّله في هذه الآية فقال تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } أي في
ميراث أولادكم { لِلذَّكَرِ } منهم {مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ} أي للإبن من
الميراث مثل نصيب البنتين إن لم يكن للميّت في قيد الحياة أب ولا أُم ولا أخ فإن
كان الوارث ابناً واحداً بدل البنت فلكل واحد من أب الميت وأمّهِ السُدُس، والباقي
للابن، يعني للأبوين ثلث وثلثين للإبن، وليس لعمّهِ شيء . فأخو الميت لا يرث أخاهُ
في حال وجود أولاد ذكور لأخيه الميت ، ولكن لهُ نصيبٌ من إرث أخيهِ إن كان لأخيهِ
بنت واحدة فقط، ولهُ من إرث أخيه إن لم يكن لأخيه أولاد لا ذكوراً ولا إناثاً .
ثم بيّن الله تعالى القِسمة بينهم في حال وجود أبوين
للميّت في قيد الحياة، يعني جدّ الأولاد وجدّتهم مع كون الورثة إناثاً ليس فيهنَّ
ذكر فقال {فإن كنَّ نساءً} لا ذكر فيهنَّ وعددهُنَّ {فوق اثنتين} أي اثنتين وفوقها
اثنتين، والمعنى مُكرّر اثنتين فيكون أربعة في العدد ، يعني إن كانت النساء أربعة مع وجود الأبوين {فلهنَّ
ثلثا ما تركَ} أبوهنّ من الميراث والثلث الباقي لجدّهنَّ وجدتهنَّ وهما أبوا الميت
لكلِّ واحد منهما السدس ، وكذلك لو كانوا
بنين أربعة فلهم الثلثان ولكلّ واحدٍ من الأبوين سُدس ، فتكون الأسهم بين الأبوين
والبنين متساوية . وفي هذه الآية دليل على أنّ وجود الأب في قيد الحياة لا يحجب
ميراث الأخ . يعني لأب الميّت سُدس ولاُمّه سُدس وللنساء لكلِّ واحدة منهنّ سدس
فتكون القسمة بين النساء الأربع والجدّ والجدّة متساوية {وَإِن كَانَتْ} بنت {وَاحِدَةً}
وكان للميّت أخ مع وجود الأبوين في قيد الحياة {فَلَهَا النِّصْفُ} من إرث أبيها {وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} ولأخيهِ السُدُس أيضاً ، فيكون المجموع ست
حصص ثلاث منها للبنت وواحدة لأب الميت ومثلها لاُمّهِ واُخرى لأخ الميت الذي هو
عمّ البنت ، فإن كان إخوة للميّت أكثر من واحد فهم شركاء في السُدُس ، هذا إن كان
أبوهم واُمّهم في قيد الحياة ، يعني جدّ الأولاد وجدّتهم ، أما إن كانا ميّتين فلإخوة
الميّت الذينَ هم أعمام البنت النصف أيضاً وللبنت النصف ، أما إذا لم يكن للميّت
أخ في قيد الحياة فيُقسَم إرثه كما يلي : نصفٌ لابنتهِ وربعٌ لأبيهِ وربعٌ لاُمّهِ
{مِمَّا تَرَكَ} الميّت من المال ، وذلك {إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ} يعني إن كان
للميّت أولاد ، فكلمة (ولد) تشمل الذكور والإناث .
ثمّ بيّن سبحانه كيفيّة القسمة إن لم يكن للميّت أولاد
في قيد الحياة بل له أب واُم وأخ واحد {فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ} أي أولاد
يرثونهُ لا ذكوراً ولا إناثاً {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} أي وصار الإرثُ لأبويهِ مع
وجود أخ واحد للميّت {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} ولأبيهِ ثلث ولأخيهِ ثلث ، فتكون
القِسمة متساوية بين الأب والاُم والأخ لكلّ واحد منهم ثلث . فإن كان أحد الأبوين
في قيد الحياة فلاُمّهِ النصف من الميراث والنصف الآخر لأخيهِ {فَإِن كَانَ لَهُ}
أي للميّت {إِخْوَةٌ} أربعة {فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} ولأبيه سُدس ولكلّ واحد من
إخوتهِ سُدس ، وبذلك تكون الأسهُم متساوية بين الأب والاُم والإخوة . فإن كان أحد
الأبوين في قيد الحياة فلكلّ واحدٍ منهم خُمس أي للأب حصّة واحدة ولكلّ واحد من
الأخوة حصّة واحدة ، فيكون المجموع خمس حصص ، وهكذا تكون القسمة بينهم فما زادَ في
الإخوة أو نقص فالقِسمة تكون بينهم وبين الأب والاُم مُتساوية . وإذا مات الولد عن
أب واُم وليس لهُ أخ ولا اُخت في قيد الحياة فالإرث لأبويهِ يُقسَم بينهما
بالتساوي ، وذلك {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا} الميّت قبل مماته إن لم يكن
عليه دين وإلا الوفاء بالدين قبل الإنجاز بالوصيّة {أَوْ دَيْنٍ} توفون به إن كان
مديوناً ، فهؤلاء الورَثة لكم هم {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} الآباء أم الأبناء ولكنّ الله يعلم ذلك ففرضَ
عليكم هذه القِسمة {فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ} عليكم لا تخالفوها {إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلِيمًا} بمصالحكم {حَكِيمًا} فيما أوجبهُ عليكم من القِسمة وغيرها من
أحكام .
[سورة
النساء] 11{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ
وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن
لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا
تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ
يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ
مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي
الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ
وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ .}
الشرح
:
ثمّ
بيّنَ سُبحانهُ قِسمة الميراث بين الزوجات والأزواج فقال {وَلَكُمْ} أيها الأزواج
{نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} أي زوجاتكم من الميراث {إِن لَّمْ يَكُن
لَّهُنَّ وَلَدٌ} لا ذكوراً ولا إناثاً ولا إبن الإبن ، لأنّ إبن الإبن يكون حكمهُ
حكم الإبن ، يعني يقوم مقام أبيهِ في الميراث ، فإن كانوا أكثر من ذلك فلهم حصّة
أبيهم تُقسَم بينهم ، وتقدير الآية : إن لم يكن لهنّ ولد ولا والد ، ففي هذه
الحالة يكون نصف الإرث لزوجها والنصف الآخر لأخيها ، فإن كان لها والد واحد وأخ
واحد أي كان لها وارثان فلزوجها الثلث من الميراث ولأبيها ثلث ولأخيها ثلث ، فإن
كان لها أب واُم وأخ في قيد الحياة فلزوجها الرُبع ولكلٍّ من هؤلاء الثلاثة رُبع
من الميراث ، ولا ينقص من رُبع الزوج مهما زاد عدد الإخوة {فَإِن كَانَ لَهُنَّ
وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} من الميراث ونصفٌ لابنها وربعٌ لأبويها {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا
أَوْ دَيْنٍ} توفونَ بهِ {وَلَهُنَّ} أي ولزوجاتكم من الميراث إن كان المتوفّى
الزوج وليس الزوجة {الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} من الميراث {إِن لَّمْ يَكُن
لَّكُمْ وَلَدٌ} في قيد الحياة والباقي لأبويكم وإخوتكم وإخوانكم يُقسم بين
الأبوين بالتساوي وبين الإخوة والأخوات للذكر منهم مثل حظّ الاُنثيين ، أما الزوجات
واحدة كانت أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ليس لهنّ أكثر من ذلك {فَإِن كَانَ
لَكُمْ وَلَدٌ} ذكر أو اُنثى أو إبن الإبن {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم}
من الميراث {مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا} أيها الأزواج {أَوْ دَيْنٍ} يُوفّى
عنكم .
ثمّ
بيّنَ سُبحانهُ حُكم من مات وليس لهُ ولد ولا والد بل لهُ جدٌّ وجدّة فقال {وَإِن
كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً} مفردها كليل ، على وزن سُلالة وسليل ، وهو العاجز
عن العمل لِكبر سِنّهِ ، ومن ذلك قول الشاعر :
وعينُ الرضا عن كلّ عيبٍ كليلةٌ ==== كما أنّ عينَ السُخطِ تُبدي المساوِيا
وقال زياد بن زيد الغدري :
ولم أرثِ المجدَ التليدَ كلالةً ==== ولم يأنِ منّي فترة لقريبِ
يقول
الشاعر لم أرث المجد من أجدادي ولا نالني من أقربائي ولكن حصلتُ عليهِ بسيفي .
وقال عامر بن الطُفيل :
فما سوّدتني عامرٌ عن كلالةٍ ==== أبَى اللهُ أن أسمو باُمٍّ ولا أبِ
وهذا البيت يُعطي معنى البيت الذي قبلهُ ، يقول الشاعر :
لم أنل السيادة على قبيلة عامر عن أجدادي ولا عن اُم ولا عن أب بل حصلتُ عليها
بسيفي وحُسن أخلاقي .
فالكلالة في هذه الآية يُريد بهم جدّ الميت وجدّتهُ ،
والمعنى : إذا مات رجلٌ وصارَ إرثهُ إلى كلالتهِ ، أي إلى جدّهِ وجدّتهِ لأنّهُ لا
ولد لهُ ليرثهُ ولا والد {أَو امْرَأَةٌ} ماتت وهيَ تورثُ كلالةً أيضاً {وَلَهُ}
أي للميت {أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} في قيد الحياة {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا} أي من
الأخ والاُخت {السُّدُسُ} ولجدّهِ ثلث ولجدّتهِ ثلث ، والمعنى : يُقسم ما ترك من
المال إلى ستّ حصص فيكون لأخيهِ حصّة واحدة ولاُختهِ حصّة واحدة ولجدّهِ حصّتان
ولجدّتهِ حصّتان ، فالمجموع يكون ستّ حصص . وإنما جعل الله تعالى حصّة الجدّ
والجدّة أكثر من حصّة الأخ والاُخت لأنهما عاجزان عن العمل لكبر سنّهما ، أما الأخ
والأخت يُمكنهما أن يكتسبا ويحصلا على قوتهما . فإن كان أخٌ واحد للميّت وليس معهُ
اُخت فلهُ الثلث ولجدّهِ ثلث ولجدّتهِ ثلث ، وكذلك لو كانت اُخت واحدة للميّت وليس
معها أخ فلكلِّ واحد منهم ثلث ، أما إذا كان أحد الجدّين في قيد الحياة فللاُخت
النصف وللجدّ النصف الآخر ، وذلك قولهُ تعالى في آخر السورة : {يَسْتَفْتُونَكَ
قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ
وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} والنصف الآخر للجدّ الذي هو في قيد
الحياة .
{فَإِن كَانُوَاْ} الإخوة {أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ} في العدَد
{فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ} الذي أصابهم من الميراث ، والثلثان الباقيان
للجدّ والجدّة {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ} بالورَثة
، يعني موصين وصيّة لا تضرُّ بالورَثة فلا يوصي بماله لواحد من الورثة ويحرم
الباقين من مالهِ ، أو يوقف مالهُ لبعض الأئمّة والمشايخ ويترك أقاربهُ معوزين
فهذا لا يجوز {وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ} يوصيكم بها فلا تخالفوا أوامرهُ {وَاللّهُ
عَلِيمٌ} بمصالح عبادهِ {حَلِيمٌ} لا يعجل في الاُمور .
[سورة
النساء] 175 قال اللهُ تعالى {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي
الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا
نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا
اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً
رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ
لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
الشرح
:
لقد بيّنَ الله سُبحانهُ القِسمةَ في أوّل السورة بين
الأولاد والآباء في الميراث ، وبيّنَ بعدها قِسمة الميراث بين الأزواج والزوجات
وحصّة الجدّ والجدّة من إرث حفيدهما المتوفّى بلا عَقِب ، وبيّنَ في هذه الآية
حُكم القِسمة بين الإخوة والأخوات فقال تعالى {يَسْتَفْتُونَكَ} يا محمد ، أي
يسألونك الفتوى في حُكم الميراث ، فقد سأله جابر بن عبد الله وكان قد حضرتهُ
الوفاة وكان لهُ أخوات وجدّ وجدّة فقال : ما أجعل لهم من الميراث يا رسول الله ،
فنزلت هذه الآية {قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} أي قل الله يُبيّن
لكم الحُكم في قِسمة ميراث الكلالة ، مُفردها (كليل) وهو العاجز عن العمل لِكبر
سِنّهِ ، وهو الجدّ ، وقد سبق الشرح عن هذه الكلمة {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} أي ماتَ {لَيْسَ
لَهُ وَلَدٌ} وتقديرهُ ليس لهُ أولاد ولا والد بل لهُ جدٌّ واحد في قيد الحياة {وَلَهُ
أُخْتٌ} واحدة {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} أخوها من الميراث
- هذا إن لم يكن عندهُ
زوجة ، أما إذا مات عن زوجة فلها الربع ثمّ يقسم الباقي بين الاُخت والجد .
فالاُخت الواحدة ترث النصف من أخيها والنصف الآخر للجد الذي هو في قيد الحياة .
فإن كان الجدّان موجودَين في قيد الحياة يعني الجد والجدّة فلاُختهِ الثلث وللجد
ثلث وللجدّة ثلث . فإن لم يكن لها جدّ وجدّة في قيد الحياة بل لها إخوة من أبيها
والمتوفّى شقيقها أي أخوها من اُمّها وأبيها فلها النصف من إرثهِ والنصف الباقي
يُقسم على إخوتها الذينَ هم من أبيها . يعنى الأب واحد والاُمّهات إثنان أو أكثر –
فالإخوة من غير الاُم للمتوفّى بل من أبيهِ فقط لهم حصة أنثى ، ولهم حصصهم كاملة
إن كان المتوفاة اُمّهم أو أخاهم شقيقهم من اُمّهم وأبيهم – فإن لم يكن لها إخوة
ولا أبوان ولا جدّان في قيد الحياة فالنصف الآخر لعمومة الميّت ولأخوالهِ ، يعني
نصف لاُختهِ وربع لعُمومتهِ وربع لأخواله ولجدّهِ غير الصحيح لمن كان فقيراً
منهم ولا يشمل الغني منهم -
والنصف الآخر للجدّ الذي هو في قيد الحياة
- فلو كان الجدّان
موجودَين في قيد الحياة فيكون لكلّ واحد منهما ثلث وللاُخت ثلث . وإنّما جعل الله
تعالى في آية 10 للبنت النصف ولكل من أبو الميّت واُمّه السُدُس ، وجعل في هذه
الآية النصف لأحد أبويه ، لأنّ في تلك الآية المتوفّى أبوها ومعها عمّها مشترك في
الميراث وجدّها وجدّتها في قيد الحياة فصار للبنت النصف ولكل من عمّها وجدّيها
سُدُس -
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ حُكم القسمة عند عدم وجود الجدّ
والجدّة وكان المتوفّاة اُختهُ والوارث أخوها فقال {وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ
يَكُن لَّهَا وَلَدٌ} في قيد الحياة ولا أبوان ولا جدّان ، ففي هذه الحالة يكون
الإرث كلّهُ لأخيها إذ لا يوجد وارث غيره
- هذا إن لم يكن لها زوج فإن ماتت عن زوج فلزوجها
النصف إن كان لها أخ واحد أو والد واحد في قيد الحياة ، فإن كان الإخوة إثنين
فلزوجها الثلث ولكلّ من أخويها الثلث ، ولكن إن كان لها إخوة ثلاثة أو أخوان ووالد
واحد في قيد الحياة فلزوجها الربع ولكلّ من إخوتها ربع ، ولا ينقص من ربع الزوج
مهما زاد عدد الإخوة والأخوات والآِباء -
ثمّ بيّنَ سُبحانهُ حُكم القِسمة إذا كان الورَثة عكس
ذلك ، يعني إن كانتا اُختين في قيد الحياة مع وجود جدّ واحد فقال {فَإِن كَانَتَا}
الأخوات {اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} أخوهما والثلث الباقي
للجدّ الذي هو في قيد الحياة ، فإن كان الجدّان موجودَين في قيد الحياة فلهما
النصف وللاُختين النصف الآخر ، أي لكلّ واحد من الاُختين والجدّين رُبع ، فالقِسمة
بينهم مُتساوية . {وَإِن كَانُواْ} الورَثة {إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاءً} أي
ذكوراً وإناثاً فهم شُركاء في الثُلثين {فَلِلذَّكَرِ} منهم {مِثْلُ
حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} أي للذكر حصّتان وللاُنثى حصّة
واحدة ، والثلث الباقي للجدّ الذي هو في قيد الحياة {يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ} حُكم
الميراث {أَن تَضِلُّواْ} يعني لئلا تضلّوا طريق القِسمة {وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ} . تمّت سورة النساء .
قال الله تعالى في سورة البقرة آية 180 – 181 {كُتِبَ
عليكم إذا حضرَ أحدَكم الموتُ إن تركَ خيراً الوصيّةُ للوالدَينِ والأقربينَ
بالمعروفِ حقّاً على المتّقينَ . فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا
إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
الشرح
:
أقول هذهِ الوصيّة غير الميراث ، وهي تخصّ الوالدين
والأقربين الذينَ لا يرثون ، وهذه الوصيّة خاصة بالأموال المنقولة كالنقود لمن كان
غنياً وترك نقوداً كثيرة ، والحبوب لمن تركَ أرضاً زراعية ، والأثمار لمن تركَ
بستاناً وفيها أشجار مثمرة ، وهذه الوصية تُعطى للوالدينِ والأقربين من ثُلث
الميّت بما أوصى به المُستحضر قبل وفاتهِ .
والدليل
على أنّها من الأموال المنقولة قولهُ تعالى {إن تركَ خيراً} ولم يقل إن ترك مُلكاً
. قال الله تعالى في سورة البقرة في آية 272 {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ
يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } ، وقال تعالى في آية 110 { وَمَا
تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ} ، وقال تعالى في
آية 184 {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} ، وقال تعالى في آية 215 {قُلْ
مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} ، وقال تعالى في
آية 272 {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ} .
فالإنفاق
لا يكون في الأملاك بل في الأموال المنقولة كالدراهم والدنانير والحُبوب والأثمار
والتمر والأطعمة . أمّا الميراث يكون في الأملاك كالمُسقّفات والبيوت والأراضي
والبساتين وغير ذلك من أموال منقولة وغير منقولة . قال الله تعالى في سورة النور
في آية 61 {أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ} ، وقال
تعالى في سورة الإسراء في آية 100 {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ
رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ} ، وقال تعالى في سورة
البقرة في آية 102 {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ
سُلَيْمَانَ} ، وقال تعالى في سورة البقرة في آية 251 في قِصّة داوُد {وَآتَاهُ
اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء} ، وقال تعالى في آية
258 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ
اللّهُ الْمُلْكَ} ، وقال تعالى في سورة يوسف عن لسانهِ {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي
مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} ، وقال تعالى في قِصّة
فرعون في سورة الزخرف {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ
الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} .
فهذهِ
الأموال المنقولة تُوزّع على أقرباء الميّت الفقراء منهم ومن أوصى لهُ صاحب
الأموال قبل وفاتهِ . قال الله تعالى في سورة النساء في آية 7 {وَإِذَا حَضَرَ
الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم
مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} .
ولا
يجوز إعطاء المقامر منهم وشارب الخمر من النقود لئلا يُقامر بها من كان مُقامراً
ولا شارب الخمر لئلا يشرب بها خمراً ، بل يُعطى بدل النقود حبوباً أو أثماراً أو
أطعمةً .
إذا أصاب المجنون إرثاً من أحد أبويهِ أو جدّيهِ أو أحد
أقاربهِ ، تبقى حصتهُ عند أقرب الناس إليهِ يصرف عليهِ من حصّتهِ حتى يُشفى من
جنونهِ فحينئذٍ يُسلّمهُ ما بقيَ من حصّتهِ من الميراث .
فإن
أصابَ إنساناً الجنون وهو في بلدٍ غير بلدهِ وكان لهُ مال أو نقود وكان نازلاً في
فندق من الفنادق ، يجب على صاحب الفندق أن يُخبر السُلطة الحاكمة بذلك فيرسلوا
مكتوب [رسالة] إلى أهل المجنون لكي يأتوا ويأخذوا مجنونهم ويستلموا أموالهُ . فإن
لم يعرفوا أهلهُ من هويّتهِ الشخصيّة أو من جواز سفرهِ ، يُخبروا شرطة بلده وهم
يخبرون أهلهُ بذلك لكي يأتوا إليه ليأخذوهُ إليهم ، وإذا تعذّر عليهم معرفة بلده
وأهله تبقى أمواله عند القاضي حتى يُشفى من جنونهِ أو يأتيَ أحدُ أقربائهِ
فيأخذوهُ إلى أهلهِ ويأخذوا أمواله معهُ ، ويجب أن يودع في المستشفى مُدّة مُكوثهِ
في تلك البلدة حتى يأتيَ بعض أقربائه ليأخذوه .
الخنثى
المشكل هو الشخص الذي لهُ آلتا التناسُل بنوعيها ، أو ليس لهُ واحدة منهما ، ولم
يُعرف قبل البلوغ وبعدهُ من أيّ الجنسين هو لعدم ظهور علامة فارقة تدلُّ على
رجولتهِ كخروج اللحية ورغبتهِ في النساء ، أو بروز ثدييه وحيضه ، أو تعارضت
العلامات فيه .
كيفية
ميراثه: يُنظَر فيه إن كانت فيه علامات الرجال كاللحية والشارب وآلة التذكير يكون
حُكمهُ حكم الرجال في الميراث ، وإن برز له ثديان وليس له لحية وشارب أو يحيض يكون
حكمهُ حكم النساء في الميراث ، وإن تعذّر تمييزهُ لعدم تلك الفوارق يذهبوا به إلى
المستشفى إلى الأشعّة [والسونار] فإن كان له بيت أرحام فهو اُنثى ، وإن لم يكن له
بيت أرحام فحكمهُ حكم الذكر في الميراث .
إذا
ذهب إنسان في سفر أو في جيش لقتال الأعداء أو لتجارة ولم يعُد من سفرهِ ولمَ
يُعلَم عنهُ شيء هل مات أم هو حيٌّ يُرزَق ، وقد مات أبوهُ أو أخوهُ أو أحد
أقربائه الذينَ يرثهم ، يجب على الورَثة أن يُخرجوا حصّتهُ من الميراث فتعطى
لأولاده وزوجته ، فإن لم يكن له أولاد ولا زوجة تبقى حصّتهُ محفوظة عند وكيلهِ أو
عند شريكهِ أو أحد أقربائهِ أو عند القاضي ، والأحسن أن توضع حصّتهُ من الميراث في
أحد البنوك الإسلامية حتى يعود من سفرهِ ويأخذ حصّتهُ . فإن لم يعد إلى بلدهِ ولم
يُعلم عنهُ شيء هل مات أم هو حي ينتظروهُ أربع سنين فإن لم يعد ولم يأتِ منهُ مكتوب
[رسالة] أو خبر يتقاسم أهله حصّته فيما بينهم . ويجب أن يُخرجوا ثلث الميّت
باعتباره قد مات وينفقوه على الفقراء والأيتام على روحهِ ، فثواب هذا الإنفاق يكون
لهُ إن كان حياً أو ميتاً .
أمّا
إذا كان المفقود لهُ أموال وأملاك ولهُ ورَثة فينتظرونهُ سنتين فإن لم يرجع إلى
أهلهِ ولم يأتِ منه مكتوب [رسالة] ولا خبر
فيقتسموا أموالهُ المنقولة فقط ، أمّا أملاكه فيقتسمون إيجارها وما يُستثمر منها
ولا يقتسمون الأملاك إلا بعد انتظاره سنتين اُخريين ، فإن رجع بعد السنتين
فيُعيدوا لهُ أموالهُ ، وإن لم يرجع إلى أهله ولم يأتِ منهُ مكتوب [رسالة] في هذه
المُدة التي مضى عليها أربع سنين فيقتسموا أملاكهُ أيضاً ، فإن رجع بعد مُضيّ أربع
سنين يمكنهم أن يجمعوا لهُ ما بقيَ لديهم من أموالهِ .
إذا
وقعت حرب بين طائفتين أو وقع مرض مهلك نعوذ بالله منه كالطاعون أو الزلزال أو حريق
ومات فيهِ جماعة أو عائلة ولا يُعلَم أيّهم مات قبل صاحبه ، فهنا يتساوى الأمر
فيكون إرثهم لمن بقيَ من أولادهم ، والأحسن أن يفصل القاضي بينهم
بالميراث فيقدّم الفقير منهم على الغني والتقي على الشقي ، وذلك بعد أن يخرج
القاضي لكلِّ واحد من الموتى ثُلثاً من مال الميت ليُنفقَ على الفقراء خيرات
للميّت ، أو يُقضى عنهُ دَينهُ إن كان مديوناً .
ولد
الزنا يرث اُمّهُ وقرابتها ، وترث هيَ وقرابتها منهُ ، أما الأب وقرابتهُ فلا
يرثان منهُ شيئاً لانتفاء النسب ، غير أنّ الأب إذا أقرّ بالولد وقال إنّه منّي
ولم يقل أنّه من الزنا ، وتوافرت شروط الإقرار بالنسب ثبت نسبهُ منهُ وورث كلٌّ
منهم الآخر .
وكذلك
ولد اللعان يرث اُمّه وقرابتها وترث هيَ وقرابتها منهُ ، أما الأب وقرابتهُ فلا
يرثان منه ، غير أنّه إذا كذّبَ الأب نفسهُ ثبت التوارث بينهما ، ولكن بشرط أن
يكون التكذيب قبل موت الولد .
توضيح القِسمة بين الأزواج والزوجات
(1)
إذا توفّيت إمرأة عن (زوج ، وبنت ، وأخ شقيق) فللزوج الرُبع وللبنت النصف ولأخيها
رُبع ، فيكون المجموع أربع حصص,
(2)
توفّيت امرأة عن (زوج ، واُم ، وأب) تكون القسمة بينهم مثالثة لكل واحد منهم ثلث ،
فالزوج له النصف إن كان معه وارث واحد ، ومثال ذلك إذا توفّيت امرأة عن (زوج ، وأب)
فللزوج النصف ولأبيها النصف الآخر .
(3)
توفّيت امرأة عن (زوج ، واُم ، وأب ، وأخ شقيق) فلكلِّ واحد منهم ربع ، ولا ينقص
ربع الزوج مهما زاد عدد الأخوة والأخوات . وهذا التقسيم لا ينافي القسمة في القرآن
من قوله تعالى في سورة النساء {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن
لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ} إذ التقدير : إن لم يكن لهنّ ولد ولا والد . ولَمّا
حصل الوالد سقط حكم النصف إلى الربع .
(4)
توفّيت امرأة عن (زوج ، واُم) فللزوج النصف وللاُم النصف الآخر . وكذلك لو كان
أبوها موجوداً في قيد الحياة وليست اُمّها فلزوجها النصف ولأبيها النصف الآخر .
فالزوج له النصف في حال وجود وارث واحد مع الزوج ، وهو إما أبوها أو اُمّها أو
أخوها .
(5)
توفّيت امرأة عن (زوج ، وثلاثة إخوة أشقّاء) فلكلّ واحد منهم ربع وللزوج ربع أيضاً
.
(6)
توفّيت امرأة عن (زوج ، وأخ شقيق ، وأخوين لأب) فللزوج ثلث ولشقيقها ثلث ولأخويها
اللّذينِ من أبيها ثلث ، فيكون المجموع ست حصص للزوج اثنتان ولشقيقها حصّتان
ولكلٍّ من أخويها اللّذينِ من أبيها حصّة واحدة .
(7)
توفّيت امرأة عن (زوج ، واُم ، وأخ شقيق) فللزوج ثلث وللاُم ثلث ولأخيها ثلث .
(8)
توفّيت امرأة عن (زوج ، واُم ، واُختين شقيقتين ، واُختين لاُم) يُقسم ميراثهم إلى
عشرين حصّة ، للزوج الربع (5 [حصص أو أسهم]) وللاُم الربع (5 [أسهم]) وللشقيقتين
(6) وللاُختين لاُم (4) فالمجموع عشرين سهماً .
توضيح القِسمة بين الآباء والأولاد
(1)
توفّي رجل عن (أب ، واُم ، وبنتين) تكون القِسمة بينهم مرابعة ، فللأب حصّة
واحدة وللاُم حصة واحدة ولكلٍّ من البنتين حصّة واحدة ، فالمجموع أربعة .
(2)
توفّي رجل عن (أب ، واُم ، وابنٍ ، وبنتين) يُقسَم الميراث إلى ستة أسهم سهمٌ واحد
للأب وآخر للاُم وسهمان للإبن ولكلّ واحدة من البنتين سهمٌ واحد ، فالمجموع ستة
أسهم .
(3)
توفّي رجل عن (أب ، وبنت ، وبنت إبن) فللأب ثلث وللبنت ثلث ولبنت الإبن ثلث ،
فالمجموع ثلاثة أسهم .
(4)
توفّي رجل عن (بنت إبن ، وأخ شقيق) فللبنت النصف وللأخ النصف الآخر .
(5)
توفّي رجل عن (ثلاث بنات إبن ، وأخ شقيق) فالإرث كلّهُ للبنات يُقسَم بينهنّ
بالتساوي ولا شيء لأخيهِ . لأنّ الأخ لا يرث مع إبن الميت ولا مع بناته إلا إذا
كانت بنت واحدة فقط . أو ليس لأخيه وارث غيره .
(6)
توفّي رجل عن (إبن ، وأب ، وبنت إبن) فيكون للأب سهم واحد وللإبن سهمان ولبنت
الإبن سهم واحد ، فالمجموع أربعة أسهُم . وإنّما صارَ لبنت الإبن سهم واحد لأنّ
معها في الميراث إبن الميّت وهو عمّها فلذلك نقص سهمها كما في قوله تعالى{للذكرِ
مثلُ حظِّ الاُنثيين} . فلو كان ذكراً بدل البنت لصار لهُ سهمان كما لعمّهِ . فإن
كانوا أكثر من واحدة فلهم حصّة أبيهم كما لعمّهم حصّتان .
(7)
توفّي رجل عن (اُم ، وبنت ، وبنت إبن) يُقسَم ميراثهم إلى ثلاثة أسهم للاُم سهم
واحد وللبنت سهم واحد ولبنت الإبن سهم واحد . فالمجموع ثلاثة أسهم .
(8)
توفّي رجل عن (بنت ، وبنت إبن ، وأب) فتكون القسمة بينهم متساوية لكل واحد منهم
حصة واحدة .
(9)
توفّي رجل عن (زوجة ، واُم ، وأب) يقسم الميراث إلى ثمانية أسهم ، للزوجة الربع
وهو سهمان وللأب ثلاثة أسهم وللاُم ثلاثة أسهم . فالقِسمة بين الأب والاُم تكون
مُتساوية ، وليست كالأولاد للذكر مثل حظّ الاُنثيين ، لأنّ الاُم تتعب في تربية
ولدها أكثر من الأب .
(10)
توفّي رجل عن (بنت ، واُخت شقيقة) يُقسم الميراث بينهما بالتساوي للبنت النصف
ولاُختهِ النصف الآخر .
(11)
توفّي رجل عن (بنت ، وثلاث أخوات شقيقات) للبنت النصف وللأخوات الشقيقات النصف
الآخر يقسم بينهنّ بالتساوي .
(12)
توفّي رجل عن (ثلاث بنات ، واُخت شقيقة) فالإرث كلّه للبنات لكلّ واحدةٍ منهنّ ثلث
، ولا ترث اُخته . فالأخ والأخت لا يرثان من أخيهم إذا كان له أولاد ، إلا إذا كان
له بنت واحدة فقط ، أو ليس له أولاد لا ذكور ولا إناث .
(13)
توفّي رجل عن (بنت واحدة ، واُختين شقيقتين) فللبنت النصف من إرث أبيها ،
وللاُختين النصف الآخر لكلِّ واحدة منهنّ ربع .
(14)
توفّي رجل عن (بنت ، واُخت شقيقة ، واُخت لأب) يُقسم الإرث بينهنّ إلى ستة أسهم
فيكون لبنتهِ ثلاثة وهو النصف ولشقيقتهِ إثنان ولاُختهِ من أبيهِ سهم واحد .
(15)
توفّي رجل عن (بنت ، واُخت لأب ، وابن أخ لأبوين) فللبنت النصف وهو ثلاثة أسهم ،
ولاُخته من أبيه سهم واحد ولابن أخيه سهمان .
(16)
توفّي رجل عن (بنت ، واُخت شقيقة ، وأخ لأب) فللبنت النصف وهو ثلاثة أسهم ولشقيقته
سهمان ولأخيه من أبيه سهم واحد ، فالمجموع ستة أسهم .
(17)
توفّي رجل عن (بنتين ، واُم) فالقسمة بينهنّ مثالثة للاُم ثلث وهو واحد ، وللبنتين
ثلثان لكلِّ واحدةٍ منهنّ ثلث .
(18)
توفّيت امرأة عن (زوج ، وثلاث بنات) فللزوج الربع ولكلِّ واحدة من البنات ربع ،
فالمجموع أربعة اسهم .
(19)
توفّي رجل عن (زوجة ، وبنت ، واُم) فللزوجة ثُمن وهو واحد وللبنت أربعة أسهم
وللاُم ثلاثة أسهم ، فالمجموع ثمانية .
(20)
توفّيت امرأة عن (زوج ، واُم ، وعمّ) فللزوج النصف ولاُمّها النصف الآخر ، ولا يرث
العمّ عند وجود وارثَين للميّت ولكن يرث إن كان وارث واحد وهو اُنثى كابنة الميت
أو اُخته ، وكذلك العمّة لا ترث إلا بهذه الطريقة .
(21)
توفّيت امرأة عن (زوج ، واُخت شقيقة ، واُختين لاُم) فللزوج النصف وهو أربعة أسهم
وللاُخت الشقيقة سهمان وللاُختين لاُم سهمان لكل واحدة منهما سهم واحد ، فالمجموع
ثمانية أسهم .
(22)
توفّيت امرأة عن (زوج ، واُم ، واُختين شقيقتين ، واُختين لاُم) فللزوج الثلث وهو
ستة أسهم وللاُم ستة أسهم وللشقيقتين أربعة أسهم وللاُختين لاُم سهمان ، فالمجموع
ثمانية عشر سهماً .
توضيح القسمة بين الإخوة والأخوات
(1)
توفّي رجل عن (أخ لأب ، وعن أخ شقيق) فلأخيه الشقيق ثلثان ولأخيهِ الذي هو من
اُمّهِ ثلث . ومهما زاد الإخوة والأخوات فالثلث للذينَ من أبيه يقسم بينهم
والثلثان لإخوته الأشقاء تُقسم بينهم بموجب عدد الطرفين من الكثرة أو القِلّة ،
ومثال ذلك إذا توفّي رجل عن (اُخت شقيقة ، وأربعة أخوات لأب) فللاُخت الشقيقة
حصتان ولكلٍّ من أخوات لأب حصة واحدة .
(2)
توفّي رجل عن (أب ، وأخ شقيق ، وأخ لأب) فللأب حصتان وللأخ الشقيق حصتان وللأخ
لاُم حصة واحدة ، فالمجموع خَمس حصص .
(3)
توفّي رجل عن (بنت إبن ، واُخت شقيقة ، واُخت لأب) يُقسَم الميراث إلى خمسة أسهم
فلبنت الإبن سهمان ولشقيقتهِ سهمان ولاُخته من أبيهِ سهم واحد ، فالمجموع خمسة
أسهم .
(4)
توفّي رجل عن (اُخت شقيقة ، واُخت لأب ، وابن أخ) فلشقيقته سهمان ولابن أخيهِ
سهمان ولاُخته من أبيه سهم واحد ، فالمجموع خمسة أسهم .
(5)
توفّي رجل عن (اُخت شقيقة ، وعمّ) فلاُختهِ النصف ولعمّهِ النصف الآخر .
(6)
توفّي رجل عن (اُختين شقيقتين ، وعمّ) فالإرث كلّه للبنتين يُقسَم بينهما بالتساوي
وليس لعمّهِ شيء .
(7)
توفّي رجل عن (اُخت شقيقة ، وبنت إبن ، واُخت لأب) فلبنت الإبن سهمان ولشقيقتهِ
سهمان ولاُخته من أبيهِ سهم واحد ، فالمجموع خمسة أسهم .
(8)
توفّي رجل عن (زوجة ، واُخت شقيقة ، وأخ شقيق) فللزوجة الربع وهو واحد وللاُخت سهم
واحد وللأخ سهمان .
(9)
توفّيت امرأة عن (اُم ، واُخت لأب ، وعمّ) فللاُم النصف وللاُخت النصف الآخر ولا
يرث العم عند وجود وارثَينِ للميت ، ولا واحد إن كان الوارث ذكراً .
(10)
توفّيت امرأة عن (زوج ، وبنت إبن ، وإبن إبن) فللزوج الرُبع وهو سهم واحد ولبنت
الإبن سهم واحد وهو الرُبع ولابن الإبن سهمان وهو النصف ، فالمجموع أربعة أسهم .
(11)
توفّي رجل عن (اُم الاُم ، واُم الأب ، وأب) فلاُم الاُم السُدُس وهو واحد ، أما
اُم الأب فلها إثنان ، وللأب الباقي وهو ثلاثة ، فالمجموع ستة أسهم .
[في
الأصل: (11) توفّي رجل عن (اُم الاُم ، واُم الأب ، وأب) فلاُم الاُم السُدُس وهو
واحد ، وللأب أربعة . أما اُم الأب فلها إثنان فالمجموع سبعة أسهم .]
ذوو
الأرحام قسمان ، الأول من يتّصل نسبك بهم ، وهم الأجداد والآباء والأعمام والإخوان
والأخوات والعمّات .
والقسم
الثاني من تتّصل بهم بالمصاهَرة ، أي بمن أخذتَ منهم زوجة أو أعطيتَهم زوجة ، وهم
الأخوال والخالات ، قال الله تعالى في سورة الفرقان {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ
الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} . النسَب هم أقرباؤك من تناسلَ مِن
جدّك ، يعني أعمامك . والصهْر أخوالك ، أي الذينَ اتّصلوا بك بالمصاهَرة . والشاهد
على ذلك قول حسّان بن ثابت يصف امرأة :
يعتادُني شَوقٌ فأذكرُها ==== من غير نَسَبٍ ولا صِهْرِ
أي
ليس بيني وبينها قرابة ولا مُصاهَرة . وقال امرؤ القيس :
لأخٍ رضيتُ بهِ وشاركَ ==== في الأنسابِ والأصهارِ والفضلِ
فذوو
الأرحام الذينَ يرثون عند عدم وجود وارِث للميّت الذي يستحقّ الفرض ، وهم أوّلاً
من ينتمي إلى الميّت بالنسَب ، وهم الأعمام والعمّات وأولاد الأخ الشقيق ، وأولاد
العم .
ثانياً
: مَن ينتمي إلى الميّت بالمصاهَرة ، وهم الأخوال والخالات وأولاد الاُخت وإخوته
من اُمّهِ وكذلك أخواته من اُمّهِ والجدّ غير الصحيح وكذلك الجدّة وأولادهم إن كان
الآباء غير موجودِين في قيد الحياة .
فالمقدّم
إلى ميراث الميّت مَن كان اقرب إليهِ بالنسَب . أولاً يُقدّم إخوته الذينَ هم من
اُمّهِ وكذلك أخواته ، ثم أولاد بنته ، فإن لم يوجد أحدٌ منهم في قيد الحياة فيرث
أولاد الأخ ، فإنْ لم يوجد أحدٌ منهم في قيد الحياة فالميراث لعمومته وعمّاته
للذكر منهم سهمان وللاُنثى سهم واحد ، فإن لم يوجد أحد منهم في قيد الحياة
فالميراث لأولاد اُختهِ ، فإن لم يوجد أحد منهم في قيد الحياة يرجع الميراث إلى
الأخوال والخالات وأولاد الاُخت الشقيقة وأولاد الأخ الشقيق وأولاد العم والجدّ
أبو الاُم وكذلك الجدّة وأخوه من اُمّهِ وكذلك اُخته من اُمّهِ . يُقسَم الميراث
بينهم لمن كان في قيد الحياة للذكر سهمان وللاُنثى سهم واحد .
إعتراض على مؤلف كتاب (الوصايا والمواريث) حسين علي
الأعظمي
لقد
أخطأ المؤلّف في كثير من تقسيم المواريث فزادَ لبعض الورثة في ميراثهم ونقّصَ من
بعض الورَثة من ميراثهم وحرمَ بعض الورَثة حقوقَهم من الميراث . وإليك بعض ما جاء
في كتابه من تقسيم المواريث :
أ
- لقد جاء في
صفحة 191 من الكتاب : "توفّي شخص عن (بنت ، وبنت إبن ، وأب) فأصل المسألة من
(ستة) للبنت فرضها النصف ، وهو (ثلاثة) ولبنت الإبن فرضها السُدس وهو (واحد) وللأب
فرضه السُدس مع الباقي وهما (إثنان) ."
أقول:
كيف يحكم لبنت الإبن السُدس وهو واحد ، ثم يقول للأب السُدس وهما إثنان؟ ثم إنّ
البنت لها النصف إن كانت مُنفردة ليس معها وارث اُنثى غيرها ، ولَمّا صار معها بنت
أخيها وأبوها يشتركان بالميراث سقط نصيبها من النصف إلى الثلث ، فصار لها الثلث
وللأب الثلث ولبنت الإبن ثلث .
ب
– وجاء في نفس
الصفحة : "توفّي شخص عن (بنتين صلبيتين ، وبنت إبن ، وأب) . فأصل المسألة من
(ستة) : للبنتين الصلبيتين فرضهما الثلثان ، وهو (أربعة) وللأب فرضهُ السُدس
والباقي وهما (إثنان) . وأمّا بنت الإبن
فساقطة ."
أقول : لماذا يسقط حقّ بنت الإبن ؟
ج
– وجاء في نفس
الصفحة : "توفّي شخص عن (إبن ، وبنت إبن ، وأب) فأصل المسألة من (ستة) للأب
فرضهُ السُدس وهو (واحد) وللإبن الباقي وهو (خمسة) ، أمّا بنت الإبن فساقطة
."
أقول
: لماذا يسقط حقّ بنت الإبن ؟ فالصحيح أن يكون للإبن أربعة أسهم ، ولبنت الإبن سهم
واحد ، وللأب سهم واحد ، فالمجموع ستة أسهم .
د
– وجاء في صفحة
193 : "توفّي شخص عن (اُخت لأب ، وبنت إبن ، واُخت شقيقة) فأصل المسألة من
(اثنين) لبنت الإبن فرضها النصف وهو (واحد) وللاُخت الشقيقة الباقي وهو (واحد)
أمّا الاُخت لأب فساقطة ."
وهذا
خطأ . والصحيح لبنت الإبن أربعة أسهم ، ولاُخته الشقيقة سهمان ، ولاُخته من أبيه
سهم واحد .
ه
– وجاء في صفحة
194 : "توفّي شخص عن (اُم ، وعن إبن أو إبن إبن) فأصل المسألة من (ستة)
فللاُم فرضها السُدُس وهو واحد ، وللإبن أو إبن الإبن الباقي وهو (خمسة) ."
أقول
: لقد قرأ المفسّرون قول الله تعالى في سورة النساء هذه الجملة من آية الميراث
{ولأبوَيهِ لِكلِّ واحدٍ منهما السُدُس} فظنوا في كلّ الحالات يكون لكلّ واحد
منهما السُدس ، وهذا هو الخطأ . ففي بعض الحالات يكون لهما النصف لكلّ واحدٍ منهما
ربع ، وفي بعض الحالات يكون لِكلِّ واحد منهما الثلث . وذلك على حساب عدد الورَثة
ونوعيّتهم ، ذكوراً كانوا أم إناثاً ، أبناءً أم إخواناً ، آباءً أم أجداداً ،
أزواجاً أم زوجات .
فالصحيح
يكون للاُم سهمان (وهي جدّة الإبن) وللإبن أربعة أسهم .
و- وجاء في نفس الصفحة قوله : "وكذلك إذا توفّي شخص
عن (اُم ، واُختين شقيقتين ، وأب) فأصل المسألة من (ستة) فللاُم فرضها السدس وهو
(واحد) وللأب الباقي وهو (خمسة) أمّا الاُختان الشقيقتان فقد حَجَبَتا الاُم من
الثُلث إلى السُدس مع أنّهما محجوبتان بالأب فلا يرثان ."
أقول
: إنّ الاُم تأخذ حصة ذكر في كلّ الحالات ، يعني حصة الاُم والأب تكون متساوية
وليس لها أقلّ من حصة الأب لأنّها تتعب في تربية الأولاد أكثر من الأب ، إذاً كيف
يجعل مؤلّف الكتاب للاُم حصة واحدة وهي السُدس ، وللأب خمسة أسهم ؟
ز- وجاء في نفس الصفحة وهي 194 : "توفّيت امرأة عن
(اُخت لأب ، واُم ، وعم) فأصل المسألة من (ستة) للاُخت لأب فرضها النصف وهو
(ثلاثة) وللاُم فرضها الثُلث وهو (إثنان) وللعم الباقي وهو (واحد) ."
أقول
: لقد ظنّ المفسّرون بأنّ للاُخت النصف في كلّ الحالات كما ظنوا في الاُم بأنّ لها
السُدس في كلّ الحالات ، وهذا هو الخطأ ، ولذلك جعل المؤلّف النصف لاُخت المتوفّاة
مع أنّها اُختها لأبيها وليس شقيقتها ، وجعل لاُم المتوفّاة الثُلث ، مع أنّ الاُم
مُقدّمة على الاُخت ، وأنّ الاُم هيَ التي قامت بتربية بنتها المتوفّاة وليس
اُختها التي من أبيها . ثم جعل العم مشتركاً في الميراث . ولكن العم لا يرث في حال
وجود وارثَينِ إرثَ فرض ، وهما الاُم والاُخت اللّتان ترثان المتوفّاة ، ولا يرث
العم إلا إذا كان الوارث بنتاً واحدة . ويرث ذوو الأرحام إن لم يكن للميت وارث ذو
فرض .
والقِسمة
الصحيحة هي : لاُم المتوفّاة ثلثان ، ولاُختها من أبيها الثُلث الباقي ، فلو كانت
شقيقتها لكان لها النصف وللاُم النصف . وليس لعمّها شيء .
ح
- وجاء في نفس
الصفحة : "توفّي شخص عن (زوجة ، واُم ، وأب) فأصل المسألة من (أربعة) للزوجة
فرضها الرُبع وهو (واحد) وللاُم ثُلث الباقي وهو (واحد) وللأب الباقي وهو (إثنان)
."
أقول
: إنّ المؤلّف لا يُعطي الاُم حقّها كاملاً إذ جعل للاُم سهماً واحداً وللأب سهمين
.
والصحيح
أن تكون القسمة بينهما متساوية .
ط
- وجاء في نفس
الصفحة : "وكذلك إذا توفّيت امرأة عن (زوج ، واُم ، وأب) فأصل المسألة من
(ستة) للزوج فرضهُ النصف وهو (ثلاثة) وللاُم ثُلث الباقي وهو (واحد) وللأب الباقي
وهو (إثنان) ."
لقد
جعل للاُم نصف ما يرثه الأب ، وجعل للزوج النصف من المجموع . وذلك لأنهم لم يفهموا
تفسير الآية إذ قال الله تعالى {ولكم نِصفُ ما تركَ أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولد} ،
ولكن تقدير الجملة : إن لم يكن لهنّ ولد ولا والد . وهذا تقدير محذوف . ومثلهُ في
آية الكلالة [في سورة النساء] آية 175
قوله تعالى {إن امرؤٌ هلكَ ليسَ لهُ ولدٌ} وتقديره : ولا والد بل له جدّ وجدّة
{ولهُ اُختٌ فلها نصفُ ما تركَ} والنصف الآخر للجدّ والجدّة يُقسَم بينهما بالسوية
.
والقِسمة
الصحيحة لهذهِ المسألة للزوج الثُلث وللأب ثُلث وللاُم ثُلث . فالزوج له النصف إن
لم يكن معه وارث من أهل زوجته ، أو يكن معه واحد كأبيها أو اُمّها أو أخيها . فإن
كان معه وارثان الاُم والأب فللزوج الثلث وللاُم ثلث وللأب ثلث ، وإن كان معه
أبوها وأخوها واُمّها فله الربع ، ولا ينقص من ربع الزوج مهما زاد عدد الإخوة
والأخوات .
ي
- وجاء في صفحة
195 : "توفّي شخص عن (زوجة ، واُم ، وأب) فأصل المسألة
من (أربعة) للزوجة فرضها الربع وهو (واحد) وللاُم ثلث الباقي وهو (واحد) وللأب
الباقي وهو (إثنان)" . وهذه القسمة خطأ .
والصحيح
: يُقسَم الميراث إلى ثمانية أسهم ، فللزوجة الربع وهو إثنان ، وللأب أربعة أسهم ،
وللاُم أربعة ، فالمجموع ثمانية .
(1)
وجاء في نفس الصفحة : توفّيت إمرأة عن (زوج ، واُم ، وأب) فأصل المسألة من (ستة)
للزوج فرضه النصف وهو (ثلاثة) وللاُم ثلث الباقي وهو (واحد) وللأب الباقي وهو
(إثنان)" ، وهذا خطأ .
والصحيح
: هو للزوج ثلث ، وللاُم ثلث ، وللأب ثلث . فلو كان أحد الأبوين في قيد الحياة
لكان للزوج النصف والنصف الآخر لأحد الأبوين الموجود في قيد الحياة ، ولَمّا كان
الأب والاُم موجودَين فللزوج الثلث والباقي للأب والاُم بالتساوي .
(2)
وجاء في الصفحة نفسها : "توفّي شخص عن (جدّة ، وزوجة ، وأخ شقيق) فأصل
المسألة من (إثني عشر) للجدّة فرضها السُدس وهو (إثنان) وللزوجة فرضها وهو (ثلاثة)
وللأخ الشقيق الباقي وهو سبعة ." وهذا خطأ.
والصحيح
هو للأخ الشقيق ستة أسهم وللجدّة ثلاثة أسهم وللزوجة ثلاثة أسهم .
(3)
وجاء في نفس الصفحة : "توفّيت امرأة عن (جدّتين : اُم الاُم واُم الأب ، وزوج
، وأخ شقيق) فأصل المسألة من (ستة) للجدّتين السُدس وهو (واحد) وللزوج النصف وهو
(ثلاثة) وللأخ الشقيق الباقي وهو (إثنان)" . وهذا خطأ .
والصحيح
هو أن تكون الأسهم ثمانية : أربعة منها للزوج وهو النصف ، وإثنان للأخ ، ولكلٍّ من
الجدّتين واحد .
(4)
وجاء في نفس الصفحة وهي 195 ما يلي : "توفّي شخص عن (جدّة ، وزوجة ، وأخ
شقيق) فأصل المسألة من (إثني عشر) للجدّة فرضها السُدس وهو (إثنان) ، وللزوجة
فرضها الربع وهو (ثلاثة) ، وللأخ الشقيق الباقي وهو (سبعة) ."
أقول
وهذه القسمة خطأ أيضاً .
والصحيح
: للجدّة الربع وهو (ثلاثة) وللزوجة الربع وهو (ثلاثة) ، ولأخيه الشقيق (ستة)
فالمجموع إثنا عشر سهماً .
(5)
وجاء في نفس الصفحة : "إذا توفّيت امرأة عن (جدّتين اُم الاُم واُم الأب ،
وزوج ، وأخ شقيق) فأصل المسألة من (ستة) للجدّتين السُدس وهو (واحد) وللزوج النصف
وهو (ثلاثة) وللأخ الشقيق الباقي وهو (إثنان) ,"
أقول
وهذا خطأ أيضاً . والصحيح : تكون القسمة ثمانية أسهم : للزوج الربع وهو إثنان ،
وللأخ الشقيق إثنان وللأخ الشقيق إثنان ، ولكلٍّ من الجدّتين ربع . فالمجموع
ثمانية أسهم .
(6)
وجاء في نفس الصفحة : "توفّي شخص عن (اُم ، واُم أب ، وإخوة لاُم ، وأخ لأب)
فأصل المسألة من (ستة) للاُم السُدس وهو (واحد) وللإخوة لاُم الثلث وهو (إثنان)
وللأخ لأب الباقي وهو (ثلاثة) ، أمّا الجدّة اُم الأب فساقطة بالاُم ."
أقول وهذه القسمة خطأ أيضاً . أولاً لماذا يسقط حقّ
الجدّة وهي اُم الأب الجدّة الصحيحة ؟ ثانياً إنّ إخوة الميت إذا كانوا من اُمّه
فقط وليسوا أشقّاء لا يرثون مع الأخ لأب ، لأنّ أباهم غير إبو الميت ولا يدخلون في
نسبهِ . ولكن يرثون من اُمّهم إذا كان المتوفّى اُمّهم ,
والقِسمة الصحيحة : لاُم الميت ثلث ولجدته ثلث ولأخيه
ثلث . ولا يرث إخوته الذينَ هم من اُمّهِ وليسوا من أبيه .
إعلم أيّها المطالع لهذا الكتاب أنّ الأشجار
والنباتات والأثمار لها أرواح كما للحيوانات أرواح ، وكلّ شيء مصنوع من المادّة
لهُ روح أيضاً ، لأنّ الأثير يملأ الفضاء فتدخل ذرّات الأثير في تلك المصنوعة
فتبني شكلها بمدّةِ أربعين يوماً على أقل تقدير .
مثلاً إذا صنعتَ تختاً من الخشب فإنّ ذرّات الأثير تدخل في مسامات هذا التخت فتبني
داخله تختاً إثيرياً على قدر التخت المادّي نسخة طِبق الأصل ، فإذا تكسّر التخت
الخشبي أو احترق فإنّ التخت الأثيري الذي تكوّن داخل التخت الخشبي لا يتكسّر ولا
يحترق بل يبقى مُحتفظاً بشكلهِ وحجمهِ على الدوام فتأتي الملائكة وتأخذه إلى الجنة
,
وهكذا
الأواني والحُلي والألبسة والأفرشة وغير ذلك ، فالجنّة إذاً وليدة الأرض وأشجارها
من أشجار الأرض وحورها بنات أهل الأرض المؤمنات التقيّات منهنّ وولدانها هم أولاد
المؤمنين الذين يموتون تحت البلوغ أو يموتون وهم صغار ، والدليل على هذا قول الله
تعالى في وصف أهل الجنّة في سورة الكهف {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن
ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } ، فقوله
تعالى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} يعني أساور أثيرية نشأت في
اساور ذهبيّة ، فلو أرادَ بذلك الأساور الذهبيّة المادّية لقال تعالى يُحلّون فيها
بأساور ذهبيّة ، فتكون الجُملة أوجز ، ثم قولهُ تعالى {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا
خُضْرًا مِّن سُندُسٍ} يعني ثياب أثيرية نشأت في ثياب مادّية سُندسيّة . وقال
تعالى في سورة الزخرف {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} ،
وقال تعالى في سورة آل عمران {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ
كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا} فهنا تركَ كلمة
(مِن) فلم يقل ملءُ الأرض من الذهب ، لأنّهُ تعالى أرادَ بذلك الذهب المادّي لا
الأثيري . وقال تعالى في سورة الإنسان {وَيُطَافُ
عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا. قَوَارِيرَ
مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} ، فقوله تعالى {كَانَتْ قَوَارِيرَا} يعني
كانت في الدنيا قوارير ، أي زجاجيّة ولكن الأثيريات التي نشأت في تلك القوارير
صارت كالفضة في بياضها ولمعانها ، ولذلك قال بعدها {قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} يعني
أهل الجنّة قدّروها بالفضّة لبياضها وجمالها . وقال تعالى {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ
مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} ، فقوله تعالى {أَسَاوِرَ
مِن فِضَّةٍ} يعني أساور أثيريّة نشأت في أساور فضيّة . وقال تعالى في سورة
الواقعة في ذمّ المكذّبين {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ
. لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ} يعني من شجر أثيري نشأ من شجر الزقّوم
الذي في الدنيا ، والزقّوم نوع من الشوك .
وقال
تعالى في سورة الشعراء في وصف فرعون وجنده {فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ
وَعُيُونٍ . وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ .كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} فإنّ بني
إسرائيل لم يرجعوا إلى مصر لكي يرثوا أملاك الأقباط وكنوزهم ، ولكن المعنى
أورثناهم الأثيريّات من أموالهم بعد موتهم . وقال تعالى في سورة مريم {تِلْكَ
الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} ، أقول فهل كانت
الجنة مُلك آبائهم فصارت إرثاً لهم ؟ كلاّ ولكن كانت تلك الأشجار والأثاث مُلكاً
للكافرين في دار الدُنيا فصار الأثيري منها إرثاً للمؤمنين في الجنة . وقال تعالى
في سورة الزمر في وصف أهل الجنة {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا
وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء
فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} ، فقوله تعالى {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} يعني
أورثنا ما كان في الأرض من أموال الكافرين ، يعني الأثيري منهُ . أمّا الأموال
المادّية فتتمزّق وتتلاشى ولا يبقى شيء على الأرض إلا ويزول وذلك قوله تعالى في
سورة الرحمن {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو
الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} . وقال تعالى في سورة الأنبياء {أَنَّ الْأَرْضَ
يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} أي يرثون ما عليها من أموال وأثاث وحُلي وغير
ذلك في الآخرة .
إنّ
موقع الجنان في الفضاء ، وهيَ سبع جنان ، أي سبع سماوات أثيريّة روحانيّة ، وهُنّ
كرسي ربّ العِزّة ، وهنّ الحاملات للعرش والعرش فوقهنّ ، وهنّ مسكن الملائكة
والأنبياء والمرسَلِين والشهداء وعباد الله الصالحين . قال الله تعالى في سورة
الأعراف {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ
تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ
الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} ، فدليل الآية أنّ الجنة في السماء ولا يدخلها
أحد إلا بعد أن تفتح لهُ الأبواب . وقال الله تعالى في سورة الإسراء {تُسَبِّحُ
لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ
يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ
حَلِيمًا غَفُورًا} ، فالسماوات السبع هي الجنان وهي مسكن الملائكة والأنبياء
والشهداء والصالحين . وقال تعالى في سورة المؤمنون {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ
السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } ، فالسماوات هنا يريد بها الجنان السبع
والعرش فوقهنّ . وقال تعالى في سورة النجم {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ
لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن
يَشَاء وَيَرْضَى} فالسماوات هنا يريد بها الجنان السبع حيث جاء فيها ذكر الملائكة
وأنّها تسكن في تلك السماوات .
قال
الله تعالى في سورة آل عمران {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي
الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء
وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
لقد
ذكر لي من شهدَ هذه النادرة في الموصل بأنّ رجلاً من الأثرياء ماتت زوجتهُ ولهُ
منها ولد واحد ، والأب شيخ كبير في السنّ فرأى فتاة من أهل بيت فقراء فوقع حُبّها
في قلبهِ ، فقال لأهلهِ اُخطبوا لي هذه الفتاة ، فقالوا لهُ أنت عجوز وهذهِ فتاة
شابّة كيف ترضى بالزواج منك ؟ فقال العجوز وسّعوا لها المهر وأعطوها كلّ ما تريد
من المال ، فخطبوها لهُ . ولَمّا كانت إرادة الله أن يغني تلك العائلة الفقيرة
وافقت الفتاة بالزواج من الشيخ العجوز وطلبت ثلاثمائة ليرة ذهبيّة تُعطى لها نقداً
وداراً تُكتَب بالطابو باسمها ، إذ كان المهر في زمانها لا يزيد عن خمسة وعشرين
ليرة لغيرها من الفتيات ، فوافق العجوز على ذلك وأعطاها كلّ ما طلبت . فزُفّت
إليهِ الفتاة ودخل عليها وأزال بكارتها ومات وهو على صدرها . فصاحت الفتاة ونادت
أهل العجوز وقالت تعالوا ارفعوا أباكم عن صدري لقد مات فلا تتهموني بقتلِهِ .
فدخلوا الغرفة ورفعوهُ عن صدرها بعد أن القَوا عليها عباءة تستتر بها ، وأخذوه إلى المقبرة ودفنوهُ . ولكنّ الفتاة حَمَلتْ
منهُ في ساعتها فعدّت أشهرها ووضعتْ ولداً فقاسَمتهم في مُلك ابيهم ورجعت إلى
أهلها غانمة ، وتزوّجت بعد ذلك أحد أقربائها وصارت عزيزة فيما بينهم . وهذا مصداقٌ
لقوله تعالى {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء .}
القيّم
القيّم
هو الّذي ينصبهُ القاضي على الأيتام والمجانين وورَثة المفقودِين إذا لم يكن لهم
من يُعيلهم ويقوم بإدارة شؤونهم، فالقيّم يقوم بإدارة شؤون الأيتام وحفظ أموالهم المنقولة
وغير المنقولة وتحصيل غِلّاتها، ولهُ اجارة [تأجير] أملاكهم وله قبض الديون من
المديونين وإيفاء الدَين للدائنين لآبائهم، وذلك إن لم يكن عليهم وصي قد عيّنهُ
المتوفّى، وله الإنفاق على أولاد المتوفّى وعلى زوجته من مال المتوفّى الموجود في
بيته أو من ثمن بيع ما يتسارع إليه الفساد، أو من مال مودَع عند مُقرّ بالوديعة أو
من إيجار أملاك المتوفّى، وعليه أن يُطالب الوصي بحقوق الأيتام ويدافع عنهم إذا
رأى خيانة من الوصي في أموال الأيتام.
للقاضي
الولاية العامّة على الناس أن ينظر في أحوالهم الشخصيّة وأن يتدخّل في اُمورهم إذا
دعت الحاجة واقتضت المصلحة إلى تدخّله ، حفظاً لأموالهم ورعايةً لحقوقهم ، وعلى
هذا فإنّهُ يملك التصرّفات الآتية :
1-
أن ينصّب وصيّاً على القاصرين إذا لم يكن أب أو جدّ صحيح ، أو وُجِدوا ولكنّهم غير
أهل للولاية كما لو كان كلٌّ من الأب
والجد مُسرفاً مُبذّراً لأموالهم .
2-
إذا مات إنسان فجأة ولم يوصِ ولهُ أولاد صغار فعلَى القاضي أن يجعل لهم وصيّاً
وقيّماً، على أن يكون الوصي من أعمامهم والقيّم من أخوالهم أو بالعكس.
فإن
كان لهم أخ بالغ الرشد يكون أخوهم القيّم عليهم والوصي مُحافظاً لأموالهم وأملاكهم
فلا يتصرّف أخوهم في الأموال إلّا باستشارة الوصي.
3- للوصي أن يؤجّر عقاراتهم سنة بعد سنة وليس له أن يبيع
شيئاً منها.
4- أنّ يوفّي ديونه إن كان على المُتوفّى دَين. وأن يُطالب
المديونين للمتوفّى إن كان له على أحدٍ دَين. وعلى القيّم أن يقوم بتربية الأولاد
الصغار ويجلب لهم كلّ ما يحتاجون إليهِ من مأكل وملبس وغير ذلك من كتب وأدوات
للمدرسة.
يجب
على الوصيّ أن يُسلّم أموال اليتيم إليه عند بلوغه الخامسة عشرة من عُمرهِ وذلك إن
رأى في اليتيم قدرةً على حفظ أمواله من التلف، وخاصةً إن كان اليتيم صاحب صنعة
كنجارة أو حدادة أو صياغة أو غير ذلك. فعلى الوصيّ أن يُمهّد لليتيم وسائل صنعتهِ
بأن يستأجر لهُ حانوتاً لكي يُقيم فيه اليتيم ويعمل بصنعتهِ، فإن رآهُ مُداوماً
على العمل غير مُبذّر للمال ولا يلعب القمار ولا يشرب الخمر فحينئذٍ يدفع لهُ
أموالهُ ويشهد عليه شاهدَين بتسليم أمواله. فقد قال الله تعالى في سورة النساء {وَابْتَلُوا
الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ
رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا
وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ
فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ
أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا}
المعنى
{وابتلوا
اليتامى} أي اختبروهم في عقلهم ودينهم وقُدرتهم على حفظ أموالهم {حتى إذا بلغوا
النكاحَ} النكاح معناهُ الزواج، والمعنى إذا بلغوا مبلغ الرجال وأرادوا الزواج،
وذلك في الخامسة عشرة من عُمرهم {فإن آنستم منهم رُشداً} معناه فإن علمتم وتحقّقتم
منهم رُشداً بالعقل وقدرةً على حفظ أموالهم {فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها
إسرافاً} أي لا تأخذوا من أموالهم زيادةً على ما تستحقّونهُ من الأُجرة على رعي
أغنامهم أو فلاحة في بُستانهم أو حراثة في أرضهم وسقي زرعهم أو بناء دارهم أو غير
ذلك من الأعمال الّتي تستحقّون عليها الأُجرة. والخطاب لأولياء الأيتام والأوصياء {وبداراً
أن يكبروا} أي ومُبادرةً لكبرهم، ومعناهُ لا تُبادروا الأخذ بالكثير من أموالهم
زيادة على اُجرتكم خوفاً من أن يكبروا فيذهب المال عنكم ويعود إليهم وبذلك تغتنمون
الفُرصة في الوقت الحاضر ، فالمبادرة هيَ الإسراع بالأخذ قبل فوات الأوان {وَمَن
كَانَ غَنِيًّا} من أولياء الأيتام {فَلْيَسْتَعْفِفْ} عن أخذ اُجرة العمل وأجره
عند الله {وَمَن كَانَ فَقِيرًا} من أولياء الأيتام {فَلْيَأْكُلْ} اُجرته {بِالْمَعْرُوفِ}
لا يزيد ولا ينقص بل يأخذ من مال اليتيم اُجرتهُ على عمله كما يأخذ غيرهُ من
العمّال {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} حين بلوغ الرُّشد {فَأَشْهِدُواْ
عَلَيْهِمْ} شاهدَين كي لا يقع جحود بعد ذلك {وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا} أي
مُحاسباً ومُعاقباً لمن يأكل أموال
اليتامى بدون استحقاق ، فاحذروا عِقابهُ يا أولياء الأيتام ولا تأخذوا من أموالهم
ما لا تستحقّونهُ .
وقال
تعالى [في سورة النساء الآية 2 ]{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ
تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى
أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}
المعنى
:
{وَآتُواْ
الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} والخطاب لأوصياء الأيتام ، أي أعطوهم بالإنفاق عليهم وقت
الصغر والتسليم إليهم عند البلوغ والكبر إذا آنستم رشداً {وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ
الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} أي لا تستبدلوا الرديء من أموالكم بالجيّد من أموالهم ،
لأنّ بعض الناس كان يُخالط غنمهُ مع غنم اليتيم بالعَدَد ثمّ إذا أرادَ أن يدفع
حصّة اليتيم إختارَ الهزيل منها والرديء ودفعه إلى اليتيم وأبقى عنده كلّ سمين {وَلاَ
تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي لا تخلطوا أنعامكم مع أنعامهم
لكي تأخذوا ألبانها وأصوافها اغتيالاً وسرقةً {إِنَّهُ} أي الإغتيال والسرقة
وتبديل الرديء بالجيّد من مال اليتيم {كَانَ} عند الله {حُوبًا كَبِيرًا} أي إثماً
عظيماً . فالحوب معناه الإثم، ومن ذلك قول زُهير :
وَيَقيكَ ما وَقّى الأكارِمَ مِنْ
حُوبٍ تُسَبُّ بهِ وَمِنْ غَدْرِ
وقال
الأعشى :
إنِّي وَما كلَّفتُمُوني وربِّكُمْ
لَأعلَمُ مَنْ أمْسَى أعَقَّ وأَحْرَبَا
حقّ
الولاية على الصغير والمجنون والمعتوه في أموالهم لستة أشخاص على هذا الترتيب:
الأب ، ثم وصيّه ، ثم الجدّ إن لم يكن جاوز التسعين من عُمرهِ ، فإن جاوز التسعين
فإنه لا يُحسن التصرّف في المال بل يكون مُبعثراً لهُ، وقد يكون بعضهم حريصاً على
المال كلّ الحرص فلا يفي للأيتام بما يحتاجونهُ من طعام ولباس وغير ذلك، فقد قال
الله تعالى في سورة النحل {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ
لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}[1]
ثم الولاية لوصيّهِ، ثم القاضي ثم وصيّه .
وإنمّا
قدّم الأب في هذه الولاية لأنّهُ أولى الناس في رعاية ولده والحرص على مصلحته
والتصرّف بمالهِ بما فيه منفعته، وقد رأى الشارع أن تصرّف القاصرين بأموالهم مضيعة
لها وغدر بأنفسهم، فوضع الحجر عليهم حفظاً لحقوقهم، ونقل حقّ التصرّف إلى
أوليائهم، وأولاهم هو الأب ثم مَن يختارهُ وصيّاً عنهُ، فإذا لم يكن للقاصر أب ولا
وصيّ عنهُ انتقل حقّ الولاية إلى الجدّ لأنّهُ يلي الأب في الجزئيّة والعصبيّة
ورئاسة الأُسرة وحقّ النظر في مصالح فروعهِ، ويلي الجدّ في هذا الحقّ من يختارهُ
وصيّاً عنهُ، فإذا لم يكن للقاصر أب أو جد أو وصيّاهما انتقلت تلك الولاية إلى
القاضي لولايتهِ العامّة على الناس بحكم نيابته فيها عن السلطان، ولمّا كان القاضي
غير مُتفرّغ -بسبب كثرة أعماله- للولاية على كلّ قاصر فله أن ينصّب عنه وصيّاً
يتولّى شؤون القاصرين بحسب ما يخوّلهُ إيّاهُ.
للصغار
بعد رُشدهم أن يطالبوا الوصي بتقديم الحساب عن جميع تصرفاتهِ، فإن صدقوهُ فبِها،
وإن كذّبوه ورفعوا الأمر إلى الحاكم أحضَرهُ الحاكم وسألهُ عن المال الّذي صرفهُ
بصورة مُفصّلة، ويصدّق بيمينهِ فيما هو من صلاحيّتهِ شرعاً. ولا يُصدّق فيما هو خارج
عن صلاحيّتهِ بل يُطلب منهُ البيّنة، فإن أثبت مُدّعاهُ بالبيّنة فبها وإلّا فلا
يُقبل قولهُ فيما يدّعيهِ من نفقة زائدة عن الحدّ المطلوب أو كسوة مُبالَغ فيها أو
شراء أشياء لا دخل فيها للأيتام بل يستمتع بها هو وأولادهُ كشراء تلفزيون من نقود
الأيتام أو شراء ملاعيب لأولادهِ ولكن من نقود الأيتام فيدعي أنّه اشتراها للأيتام
أو غير ذلك من متاع وأثاث فيدعي أنّهُ اشتراها لهم ولكن أولادهُ يستمتعون بها،
فعليه أن يدفع للأيتام ثمن تلك الاثاث.
وقد
يأخذ الوصي أشياء من متاع المتوفّى ويجعلها في بيتهِ كأفرشة ثمينة أو أدوات فاخرة
وأواني قديمة فاخرة، فيدعي أنّهُ اشتراها لنفسهِ وادخلَ ثمنها في حساب الأيتام،
فيجب عليه البيّنة بما يقدّمهُ من كتاب وحساب بما سجّلهُ في الكتاب على حساب
الأيتام، وإلِّا يؤخَذ منهُ ثَمن تلك الأدوات والاثاث الّذي حازهُ لنفسهِ.
أولاً
- الكون والقرآن . وقد طُبعَ اربع مرّات والخامسة بعد وفاة المؤلف:
الطبعة الأولى سنة 1366 هجرية الموافق 1947 ميلادية طبع في مطبعة النجاح في بغداد
. الطبعة الثانية بالموصل سنة 1347 هجرية الموافق 1955 ميلادية في مطبعة نينوى .
الطبعة الثالثة طبع في بغداد مطبعة أسعد سنة 1348 هجرية الموافق 1978 ميلادية .
الطبعة الرابعة في بغداد مطبعة الجامعة سنة 1405 هجرية الموافق 1985 ميلادية .
وطُبع في بيروت الطبعة الخامسة في دار الكتب العلمية سنة 2010 .
ثانياً
- الإنسان بعد الموت . وقد طبع مرّتين ، الأولى سنة 1366 هجرية الموافق
1947 ميلادية طبع في بغداد مطبعة النجاح . والطبعة الثانية في بغداد مطبعة المعارف
وذلك سنة 1383 هجرية الموافق 1964 ميلادية ، وألحقنا به جزءً آخر أسميناه (الردّ
على الملحدين) .
ثالثاً
- المتشابه من القرآن . طبع الجزء الأوّل منه في بيروت سنة 1386 هجرية
الموافق 1966 ميلادية . وبعد وفاة المفسّر طُبع بكامله بأجزائه الثلاثة في بيروت /
دار الكتب العلمية سنة 2014 .
رابعاً
- مشاكل الزواج والطلاق . طبع في الموصل في مطبعة الزهراء الحديثة .
وذلك سنة 1381 هجرية الموافق 1961 ميلادية .
خامساً
- بين التوراة والقرآن خلاف . طبع في بغداد مطبعة أسعد . وذلك سنة
1404 هجرية الموافق 1983 ميلادية . وطُبع الخلاف بين التوراة والقرآن في
بغداد طبعة ثانية ، وطُبع طبعة ثالثة سنة 2010 في بيروت / دار الكتب العلمية .
سادساً
- وقد تمّ طبع كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح في مطبعة الجاحظ في بغداد وذلك
في سنة 1985 ميلادية . وطُبع الطبعة الثانية سنة 2011 في بيروت / دار الكتب
العلمية .
سابعاً
- ثم طبع كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل وهو تفسير القرآن بأكمله ،
طُبعَ سنة 2018 ميلادية في بيروت ، دار الكتب العلمية ، بعد وفاة المؤلف رحمه الله
.
وكلّها
نفدت من الأسواق سوى الكتب التي طُبِعت في بيروت / دار الكتب العلمية .
كما
تُرجِمت أغلب هذه الكتب إلى اللغة الإنكليزية .
[1] وفي
هذهِ الحالة يجب أن يُقام قيّم على الأيتام يُطالب الجدّ بما يحتاجونهُ ويُدافع عن
حُقوقهم إذا أراد الجدّ أن يبعثر أموالهم.