تفسير سورة يس من الآية( 53) من كتاب المتشابه من القرآن بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) :
69 - ولما قالت قريش أن محمداً تعلّم الشعر وجاءنا بالقرآن . قال الله تعالى في جوابهم (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ) أنْ يتعلّمه لأنّ الشاعر لا قيمة له عندنا وأنّ محمداً له منزلة رفيعة عندنا لا تقاس بالشعراء (إِنْ هُوَ) أي الوحي (إِلَّا ذِكْرٌ) أي موعظة (وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) أي قراءة مسموعة وبيّنة ليست بِشعرٍ.
70 - (لِيُنذِرَ) به (مَن كَانَ حَيًّا) أي من كان له قلب حاضر وآذان واعية (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) بالعذاب (عَلَى الْكَافِرِينَ) .
74 - ثمّ ذكر سبحانه جهل المشركين وكفرانهم للنعم فقال تعالى (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ) أي من غيره (آلِهَةً) يعبدونها (لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ) أي لكي تنصرهم على أعدائهم .
75 - ثم قال تعالى (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ) أي المشركون (لَهُمْ) أي لشركائهم (جُندٌ مُّحْضَرُونَ) في معابدهم يخدمونهم ويذبّون عنهم . وهذا منتهى الجهل وكفران النعمة .
77 - جاء أبيّ بن خلف الجمحي إلى النبي (ع) وبيده عظمٌ بالٍ وقال تزعم أن ربّك يحيي الموتى فمن يقدر أن يعيد هذا كما كان ؟ وفتّ العظم بيده . فنزلت هذه الآية :
(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ) المشرك (أنّا خلقناه من نطفةٍ) فكذلك نعيدُ تلك العظام البالية إلى نطف فنخلق منها أجنّة في بطون الأمهات ثم يولدون ثم يكبرون فيكونوا بشراً مثلهم .
والدليل على ذلك قوله تعالى في آية 81 (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) .
وقال تعالى في سورة الإسراء {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَّا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا} ، والمعنى أنّ الله تعالى يجعل فوق تلك القبور مزرعةً أو بستاناً فتكون تلك العظام أسمدة للأشجار وتمتصها من الأرض فتكون فيها أثماراً فيأكل الرجال من تلك الأثمار فتكون في أصلابهم نطفاً ثم تنتقل تلك النطفة الى أرحام الأمهات بالجماع فتكون أجنّة ثم يولدون ويكبرون ويكونون بشراً مثلهم .
وقوله تعالى (فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ) يعني به أبيّ بن خلف .78 - (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا) بالعظام البالية (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) بأنه خُلق من نطفة (قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) ؟
79 - (قُلْ) يا محمد في جوابه (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) من نطفة (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) . فإنّ الله تعالى لم يؤكّد على الإعادة بل قال إنْ شاء أعادها . ومما يثبت هذا قوله تعالى في سورة عبس {ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ} ثمّ قال تعالى {كَلَّا} أي لا ينشره ثم بيّن السبب في ذلك فقال {لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} أي لم يقضِ ما أمره الله من واجبات .
82 - (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا) للإنشاء أو للتدمير (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) كما أراد ، والمعنى لايصعب عليه شيء من الإنشاء أو الإفناء . وكم رأيتُ من مقبرةٍ أصبحت اليوم مزرعةً أو بيوتاً أو حوانيتاً .